الإسلام وقضايا المرأة(4)
بقلم: د. عصام دربالة
المبحث الثاني
مهمة المرأة كزوجــة
اقتضت حكمة الله الباهرة أن يجعل للرجل -وقد كلفه بالسعي والكد- سكنًا يسكن إليه ومرفأ يرسو إليه ليخفف عنه من عناء ومشاق الحياة ووعورة السعي بين دروبها, قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)[1], والزوجة حين تصبح أو تكون سكنًا للرجل فإنها تستجيب بذلك لحاجتها الغريزية من ناحية, وتكون عونًا لزوجها ومجتمعها كي يواصل عطاءه الخيِّر بسعادة وتفان من ناحية أخرى، وهذا كله يصب في النهاية في مصلحة الاستقرار الأسري وتقدم المجتمع ورفاهيته.
لكن ما هي الصورة إذا خرجت المرأة للعمل؟ وهل سيبقى للمرأة بعد ذلك طاقة نفسية وجسدية كي تلبي مطالب الزوج والأبناء ولتقوم بوظيفتها كأم وزوجة؟.
الواقع يقول: إن المرأة عندما ترجع إلى منزلها تحتاج إلى يد حانية تخفف عنها متاعبها أثناء العمل وتقوم بدلًا منها بأعباء المنزل، ويصبح الزوج والزوجة كلاهما يحتاج إلى من يسكن إليه فالمرأة منهكة والرجل منهك، وحتى لو تصورنا إمكانية أن يقوم خادم أو خادمة بالأعباء المنزلية بدلًا من الزوجة وهو غير متوفر إلا لقليل منهن فمن يقوم بالأعباء النفسية الأخرى ومن يقوم بأعباء الأمومة؟ وهي تحتاج صفاءً نفسيًا دونما تشتيت ذهني.
الصورة الواقعية التي تحدث هي أن المرأة عندما تعود من عملها ينتظرها عمل آخر داخل منزلها وهي المطالبة به وجميع من بالمنزل ينتظرونه منها، ومن ثمَّ تخرج من عمل إلى عمل وما تكاد أن تنتهي منه حتى تجلس مهدودة مكدودة فأنّى لها والحال هكذا أن تكون سكنًا لزوجها أو مصدرًا يشع دفئًا وحنانًا لأسرتها وهكذا يتحول المنزل إلى بيت بلا روح؛ والنتيجة برودة الحياة الزوجية ثم انطفاء شعلة الحب والمودة بين قطبي الأسرة فماذا يكون الحل؟ وللأسف أنصار عمل المرأة على الطريقة الأوربية يقدمون للمرأة حلولًا لا تسمن ولا تغني من جوع فيقولون لها[2]: لا تشغلي بالك بهذه الأمور: تريدين الطعام، المطاعم على أتم استعداد لتقدم لك ولأسرتك أشهى ما ترغبون فيه, فضلًا عن الوجبات الخفيفة التي تقدم في أي وقت وبأقل سعر، وإن كنت تريدين أحدًا لتنظيف البيت وترتيبه وأنت مشغولة في وظيفتك؟ هناك فتاة بالأجر تأتي إليك ساعة كل يوم أو كل أسبوع أو كلما طلبت، وما عليك إلا أن توفري من راتبك جزءًا لهذه المهمة واستريحي من هذا العناء وللأبد، أما إذا رزقت بأطفال فلا بأس عليك ولا حرج؛ المحاضن موجودة تبذل لطفلك العناية الكاملة التي لا تستطيعينها في بيتك ولو تفرغت لها… هذه هي الحلول البديلة، أُم بديلة طعام بديل.
ورغم عدم قدرة الكثيرات من العاملات على كُلفة هذه الحلول البديلة فهل تقدم هذه الحلول نهاية لمتاعب المرأة العاملة؟ هل تجعلها سكنًا لزوجها قد تنجح مؤقتًا ولكن ماذا بعد؟ بعد ذلك يكون البيت كما وصفه (ول ديورانت) أشبه بفندق يلتقي فيه الزوج والزوجة اللذان يقوم كل منهما بدوره في الزواج كأنه وظيفة، الرجل في وظيفة الزوج، والمرأة في وظيفة الزوجة ويبرد البيت ويظلم ويبدو في حسيهما كأنه سجن مغلق؛ فتشرد الزوجة، ويشرد الزوج، ويتشرد الأولاد.
ولا يعود في البيت ذلك السكن وتلك السكينة التي جعلها الله آية من آياته وتضيع المودة والرحمة بين الزوجين؛ فكل منهما يرى أن الآخر غير مقدر لجهوده ومتاعبه، فالزوجة ترى أن الزوج أناني لا يقدر متاعبها خارج المنزل وها هو يحملها أعباءً أخري داخل المنزل، والزوج يرى في زوجته التقصير في حقه وحق المنزل والأولاد، ويصير البيت ساحة للشجار والنزاع، وتدهم أطرافه الأمراض النفسية وتتبدل مشاعر الحب إلى غيرها، ومن ثم يصبح الطريق ممهدًا للانفصال ويكون الطلاق على الأبواب، وفي ظل هذا الجو يكون مفهومًا وإن كان غير مقبول أن يجد الزوج ضالته في زميلة له في العمل يبث إليها همومه ويبحث لديها عن السكن الذي افتقده لدى زوجته وربما يحدث هذا مع مربية الأولاد في غفلة من الزوجة[3] التي تكتشف الحقيقة لاحقًا وتعض أصابع الندم لكن بعد فوات الأوان.
وكثيرًا ما تصدمنا مطالبة زوجة عامله بالطلاق من زوجها بإلحاح؛ ثم سرعان ما نكتشف السر وأن وراء ذلك نشوء علاقة حب بينها وبين زميل في العمل، استغل سوء العلاقة بينها وبين زوجها وأسمعها الكلام المعسول والذي لا تجده لدى زوجها ومن ثم كان قرار الانفصال، هذه هي الصورة عندما تتخلــــى المرأة عن دورها كزوجة وكسكن، أما إذا آثرت هذا الدور الجميل المتوافق مع طبيعتها ووظيفتها، فهنا ترفرف المودة والمحبة والرحمة على عش الزوجية السعيد والتي يتولد منها علاقة مودة عميقة وطيدة تصمد لعاديات الأيام وتبقى بعد وفاة أحدهما لتضرب أروع أمثلة الوفاء.
وحسبنا أن نذكر في ذلك ما روته السيدة عائشة معبرة عن عمق العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة فقالت: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا، فَذَكَرَهَا يَوْمًا، فَحَمَلَتْنِي الْغَيْرَةُ، فَقُلْتُ: لَقَدْ عَوَّضَكَ اللَّهُ مِنْ كَبِيرَةِ السِّنِّ. قَالَتْ: فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَبًا أُسْقِطْتُ فِي خَلَدِي وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُولِكَ عَنِّي لَمْ أَعُدْ أَذْكُرُهَا بِسُوءٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا لَقِيتُ، قَالَ: كَيْفَ قُلْتِ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَآوَتْنِي إِذْ رَفَضَنِي النَّاسُ، وَرُزِقْتُ مِنْهَا الْوَلَدَ وَحُرِمْتُمُوهُ مِنِّي, قَالَتْ: فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْرًا”[4].
ولنر كيف يكون أثر المودة على العلاقة بين زوجين.
فهذه أم الدرداء جاءت إلى زوجها أبي الدرداء فقالت له[5]: إنك خطبتني إلى أبويّ في الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسي في الآخرة, قال: لا تنكحين بعدي إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا, فلما توفى أبو الدرداء خطبها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فأبت وفاءً لزوجها رغم أن الشريعة ترخص في ذلك ولا تمنعه.
وأخيرًا “انظر إلى ما جمع بين فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وهي ابنة خليفة وأخت خليفتين وزوجها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وقد أخذ برضاها مجوهراتها وأودعها بيت مال المسلمين فلما توفى رضي الله عنه لم يترك لزوجته أو أولاده مالًا, فجاءها أمين بيت المال وقال لها إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي وإني أعتبرها أمانة لك وحفظتها لذلك اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها، فأجابت فاطمة بنت عبد الملك: (إني وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين، وما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا”[6].
([1]) سورة الروم: الآية 21.
([2]) منهج التربية الإسلامية م.س ص313.
([3]) تنظر المحاكم الأمريكية أكثر من ألف قضية رفعتها بعض مربيات الأطفال على مخدوميها لتعرضهن للتحرش الجنسي من والد الأطفال اللائي يجالسونهم وحكمت محكمة بولاية فلوريدا بتعويض قدرة 800 ألف دولار لمربية رفضت تحرشات والد الطفل فاتهمها بسرقة ألف دولار راجع جريدة أخبار الحوادث الأسبوعية عدد 363 ص21 والصادرة في 18/3/1999م.
([4]) انظر سير أعلام النبلاء وتاريخ دمشق لابن عساكر, والطبراني في المعجم الكبير.
([5]) أخرجه البيهقى راجع عودة الحجاب م.س ج2 ص535 بالهامش وقول أبي الدرداء لزوجته يشير إلى حديث للنبي × في نفس المعنى وصححه الألباني.
([6]) من آداب الزفاف في السنة المطهرة لمحمد ناصر الدين الألباني طباعة المكتب الإسلامي – بيروت.