مضاعفات الفتاوى الشاذة
بقلم محمد مختار مصطفى المقرئ
لن تصمد تلكم الفتاوى الباردة الشاذة أمام وهج الحق الأبلج، ولن يغطيَ ماءَ المحيط زبدٌ أو يمزجه غئاءٌ كغثاء السيل.. (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد : 17) .
إننا جميعاً ندرك أن هذه الفتاوى ـ وإن بدت ـ بفعل دجل الإعلام ـ متطاولة الهيئة مشرئبة العنق؛ ستهوي إلى الأرض منهارة مغشياً عليها، وتخر إلى منخارها خزياً وهواناً، فإن أبسط تأصيل شرعي كفيل بأن يقصفها قصفاً كما تقصف الريح الهشيم.
هذا إن نظرنا إلى هاتيك الفتاوى بحدها كمفردة مبتوتة عن مثيلاتها، وعلى مستوى من له قدرة على التأصيل الشرعي والنظر في الدليل، أو حتى من له مطالعة مدققة لما يكتب ويذاع، وله تمييز بين ما تبثه وسائل الإعلام.
أما إذا نظرنا إليها ـ مع مثيلاتها ـ كمنظومة واحدة، تدفع بها دوائرُ صياغة الرأي العام، وتهدف من ورائها تكريس قناعات معينة، مستهدفة طوائف من الأمة، ممن يطير بالكلمة يسمعها ولم يسمع سواها، أو ممن توافيه الفتوى وهي موافقة لهواه، أو ممن تفتنه الألقاب وتذهله الهالات .. فإن الأمر جد خطير وله أبعاد مقلقة.
من هذه الأبعاد:
ـ زحزحة عموم الأمة عن التمسك بأحكام الشريعة، بنقل أحكام شرعية (مقررة عند هذا العموم) من دائرة المتفق عليه إلى دائرة المختلف فيه.
ـ التشجيع على التهاون في أحكام يتصل التمسك بها بالمنظومة الأخلاقية الإسلامية، وتتعارض في آثارها مع ما تنادي به المحافل الدولية في المؤتمرات السكانية، المعدة خصيصاً لفرض ثقافة الإباحية.
ـ تبرير ما تستصدره الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين من قوانين تناقض الشريعة، كقانون تجريم “الختان”!!
ـ تلبية رغبات المسئولين والمتنفذين، وإشباع أشواقهم المحرمة تحت ستار من الشرعية المنتحلة، كفتوى رضاعة الكبير من أجنبية عنه !!.
ـ التشجيع على خرق الثوابت، والاجتراء على نقض أحكام الشريعة.
وقائمة الفتاوى التي من هذا النوع طويلة متصلة الحلقات.. كلها تتجه صوب هذه الأبعاد، لتصب في مستنقع نتن آسن، يراد تنجيس الأمة في رجسه، بإبعادها عن كل حكم يصون أخلاقها، ولإزاحة سلطان الشريعة عن نفوس أبنائها.
أو لم يكفهم أنهم أزاحوا سلطان الشريعة؟ كلا لأنه ببقاء سلطان العقيدة لم تزل الأمة موصولة بدينها، بل ويرجى لها أن تسترد للشريعة سلطانها.