الباب مفتوح لكنك واقف
إن الله تعالى يمد يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويمد يده بالنهار ليتوب مسىء الليل فكيف ندَّعى أن الباب مغلق والطريق مسدود؟
ضاقت الدنيا فى وجه رجل مؤمن وأحس أن الباب مغلق والطريق مسدود لأنه أذنب فى حق الله فأصبح وأمسى وهويطارده إحساسه بأنه مطرود !!
وبينما هو يمشى حزينا حيران إذا بطفل يجرى خارجا من بيتهم باكيا وأمه من خلفه تزجره وتطرده ! ثم أغلقت بابها خلفه !
إنتبه الرجل فحاله كحال هذا الطفل المَخزِىّ المطرود !! وانتظر ماذا سيفعل هذا المسكين الكسير ؟!
ذهب الغلام بعيدا ذليلا منكسرا يروح ويجىء ولكن عيناه على باب أمه ومأواه وملاذه منتظراأن يفتح فلما طال وقت انتظاره ذهب فارتمى أمام الباب يبكى فماكان من الأم إلا أن فتحت الباب وانكبت عليه فأخذته واحتضنته وقالت : أى بنى قلت لك لاتغضبنى عليك فأطردك وأنا غير راضية عن عقوبتك وطردك .
بكى الرجل واستغفر ربه وتاب إليه وأقبل على توبته غير يائس من قبولها ومن فتح باب الرجاء أمامه
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا (***) وقمت أشكو إلى مولاي مـا أجـد
وقلت يا عُدتي فـي كـل نائبـة (***) ومن عليه لكشف الضـر أعتمـد
أشكو إليك أمـورًا أنـت تعلمهـا (***) مالي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ
وقد مددت يـدي بالـذل مبتهـلاً (***) إليك يا خير من مُـدتْ إليـه يـد
فـلا تردَّنَّهـا يـا رب خائـبـةً (***) فبحر جودك يروي كل مـا يـردُ
كان رجل قد ساء حاله وضاق عليه صدره وانقلب عليه قلبه وتفلتت نفسه وهوحزين على مافاته من طاعاته وما تغير من حاله فرأى سحابة فى السماء فسالت دموعه وهو ينشد :
يامنزل الغيث بعد القحط مدرارا
كفٍّى إليك بجوف الليل ونهارا
أعِد إلىَ قلبا كان إليك سفارا
ثم أضحى بعد بُعده مضرما نارا
إن الله تعالى يغضب إذا ارتكب عبده ما يغضبه لكنه يرضى إذا استرضاه ويتوب عليه اذا تاب اليه ويقبل توبته ويفتح له الأبواب كلها
أُدخُل المدخل الصحيح
إن المدخل الصحيح الى الطريق الى الله هو اللجوءاليه هو أولا فالهداية بيده سبحانه فهو الذى يقلب القلوب ويصرفها كيف يشاء ( يهدى الله لنوره من يشاء )( من يهد الله فهو المهتد) ( ومن يضلل فلا هادى له من بعده ) ( ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور )
إن الله تعالى هو خالق نفوسنا وهو أعلم بها منا لذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم لحد اصحابه أول ما أسلم قل ” اللهم الهمنى رشدنى وقنى شر نفسى ” وعلمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول فى كل صباح ومساء ” اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شىء ومليكه أشهد أن لاإله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسى ومن شر الشيطان وشركه وأن اقترف على نفسى سوءاًأو أجره على مسلم “
إن المدخل الصحيح قبل أى شىء وفى كل شىء هو التوجه إلى العلى الكبير الذى بيده ملكوت كل شىء ) (وعنده مفاتح الغيب لايعلمها الاهو ) (القائم على كل نفس بما كسبت ) سبحانه ( الذى يعلم السر وأخفى ) الى القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) (الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى )
إن توجه العبد الى ربه أولا يعنى أنه مقر ومعترف بأنه فقير الى ربه محتاج إليه ولاغنى له عنه فى كل شىء محتاج الى هدايته وتوفيقه وتسديده فهو سبحانه الحى القيوم القائم على أمور عباده بالهداية والتدبير والحفظ والرعاية ولذلك كان من دعاء النيى صلى الله عليه وسلم الذى علمنا إياه فى أذكار الصباح والمساء
( ياحى ياقيوم برحمتك أستغيث اصلح لى شأنى كله ولاتكلنى الى نفسى طرفة عين)
ربى
إلهى
سال دمعى يا إلهى
ولولا كربتى ماكان دمعى يسيل
كربتى نجواك
ونيران شوقى وأسىً باقٍ وليل طويل
ولك الأمر
وما من رجاء سوى أن تسعى اليك السبيل
فإذا ضاقت
فنجوى فؤادى
حسبى الله
حسبى الله ونعم الوكيل
قال ابن الجوزى فى صيد الخاطر
ينبغي للعاقل أن يلازم باب مولاه على كل حال و أنيتعلق بذيل فضله إن عصى و إن أطاع .
و ليكن له أنس في خلوته به ، فإن وقعتوحشة فليجتهد في رفع الموحش كما قال الشاعر :
أمستوحشأنت مما جنيت فأحسن إذا شئت و استأنس
فإن رأى نفسه مائلاً إلىالدنيا طلبها منه ، أو إلى الآخرة سأله التوفيق للعمل لها .
فإن خاف ضرر مايرومه من الدنيا سأل الله إصلاح قلبه ، وطب مرضه فإنه إذا صلح لم يطلب ما يؤذيه .
و من كان هكذا كان في العيش الرغد ، غير أن من ضرورة هذه الحال ملازمةالتقوى ، فإنه لا يصلح الأنس إلا بها .
و قد كان أرباب التقوى يتشاغلون عنكل شيء إلا عن اللجوء والسؤال .