القائمة إغلاق

الشيخ عمر عالم رباني

الشيخ عمر عالم رباني

بقلم: المهندس أسامه حافظ

صحبت الشيخ عمر قبل السجن وعرفت عنه ما ظننت به أني عرفته ولكنني لما عاشرته في السجن – قرابة السنوات الثلاث – عرفت فيه جوانب جديدة أدركت منها أن ما عرفته عنه كان ظاهر سمته أما داخله فهو خير من ظاهره – والله حسيبه – وتحققت أنني ما كنت عرفته حق معرفته.

لقد كان من يسمع عن ثباته وصبره وجهاده ودعوته وجهده الهائل فيها وتضحيته في سبيلها يظن أن هذا هو الجانب الأعلى في شخصيته والغالب عليها ولا ينتبه إلي أن هذه الهمة العالية والجهد الجبار يغذيها همة أخري في الطاعات والعبادات وأن هذه الهمة الأخيرة لا تقل رسوخاً في شخصيته عن همته الأولي.

نعم لقد عاشرته سنوات ثلاث ما بين السجن الحربي وسجن ليمان طرة فلم أر فيمن رأيت من شباب وشيوخ من يبذل كل هذا الجهد ويحمل كل هذه الهمة في العبادة.. لقد كان من بقايا سلفنا الصالح من الرجال عقمت النساء أن يلدن في أيامنا مثله.. إنه حقاً نسيج وحده.

ولعل أبرز ما في نهجه في العبادة أنه يضع لنفسه ورداً من الصلاة والصوم والقراءة لا يمنعه عن أدائه مانع مهما اشتد فلا المرض ولا التعب ولا الإرهاق ولا السهر ولا غير ذلك يصلح عنده حجة للتعلل عن أداء ورده.. ومن ذاق رتابة السجن وإملاله يعرف صعوبة أن يحافظ المرء علي ورده لا يضيعه إلا أن يكون شخصاً عالي الهمة قوي العزيمة ففي السجن الحربي وقد مكثنا فيه حوالي ستة شهور كنا لا نستيقظ في أي ساعة من الليل إلا وجدناه مستيقظاً يصلي وكان هو الوحيد من بيننا الذي سمحوا لساعته بالدخول معه فكنا نطلب منه أن يوقظنا ليلاً كل في الوقت الذي وضعه لنفسه فكان ينادي علي كل في موعده لا يأخذه النوم عن إجابة طلبه – كان الحبس انفرادياً وكنا ننادي بعضنا من وراء الأبواب.

استمر الشيخ صائماً طوال فترة السجن الحربي لم يفطر يوماً وانتقل بصيامه لليمان – حيث السكن والطعام كان أسوأ- حتى داهمته غيبوبة السكر فأجبره الأخوة علي الإفطار والاكتفاء بصوم يومي الاثنين والخميس تحت رعاية الأخوة الأطباء وكثيراً ما سمعته بعد ذلك وهو يري الأخوة من حوله صيام في غير اليومين يتمتم حزيناً أن حُرمه.

ولقد حافظ منذ أتم حفظ القرآن في طفولته علي المراجعة الدائمة له بحيث يتم المراجعة مرة كل أسبوع لا يشغله عن ذلك شاغل ولم أشهد طوال مدة معرفتي به أسبوعاً تعطل عن إكمال ختمته وقد وزع خلال فترة بقائه جزءاً من هذه الختمة علي الصلوات فكان يصلي الصبح بثلاثة أرباع وكلاً من الظهر والعصر بربع والعشاء باثنين والمغرب بواحد حتى قال له أحد الأخوة مازحاً وقد شق عليه طول الصلاة “يا مولانا هل قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق ليست من المصحف لماذا لا نسمعك تصلي بها قط“.

وكان يصلي من الليل كل يوم ثمان ركعات يقرأ فيها جزءاً من القرآن يضيف إليه في رمضان ركعتين للتهجد تبدأ في الثانية عشر بجزء آخر يصلي في كل بحزب وكنا ونحن الشباب الأصحاء نصلي خلفه فيشق علينا طول قيامه ونظل نجلس كلما تعبنا ونعود للوقوف بعد أن نستريح وهو واقف لا يكل.

وكان كلما رأي فتوراً في الأخوة عن القراءة والطاعة أو حدثت أزمة في السجن أو ما شابه ذلك يأمرنا – وهو معنا – بختم القرآن في ثلاثة أيام استمطاراً لرحمات الله لتحقيق المزيد من الارتباط بالقرآن وفي زنزانة عنبر التجربة- عنبر تأديب التأديب – التي أسكنونا فيها في ليمان طرة أسكن الأخوة مع الشيخ اثنين من الأخوة الأطباء لمراعاة حالته الصحية بعد غيبوبة السكر فكانا يتبادلان القراءة والنوم عليه وهو جالس يسمع لهم ويسجل بعضاً مما يقرؤون بطريقة برايل حتى إذا ما جاء وقت صلاة القيام قام يصلي بهما فكانا ينامان منه أثناء الصلاة لكثرة ما سهروا وهو يقظ في صلاته منتبه.

لقد حول سجنه الذي أرادوه له نقمة إلي نعمة في الطاعات والمذاكرة والمدارسة وتعليم الأخوة في صبر ومثابرة لم أرهما في أحد.

فما أجمل أن تصحب أمثاله من العلماء الربانيين تستمد العزم من عزمتهم والصبر من صبرهم والجهد من جهدهم وترشف من معين علمهم وعطائهم.

فسلام عليك يا شيخنا حيث كنت أقدمت يوم أحجم الناس وضحيت يوم ضن الناس وأعطيت يوم منع الناس ووضعت – وأنت الذي رخص الله لك ورفع عنك الحرج – كثيراً من علمائنا الأصحاء في قفص الاتهام وقد حرموا أنفسهم الجهد والعمل دون رخصة.

لقد صحبته وصحبت الناس فلم أر عبقرياً يفري فريه وما وجدت مثله حيث طلبته في العلم والصبر والثبات والطاعات فرج الله كربك وبارك في أجلك وأسبغ عليك من فضله ونعمه.

التعليقات

موضوعات ذات صلة