خالد بن الوليد و …….. الجندية قبل القيادة
بقلم: المهندس أسامه حافظ
مشهد مذهل حكته كتب التاريخ عن القائد الفذ خالد بن الوليد اتمنى أن تتأملوه معي .. ولكن قبل أن نتعرض لذلك المشهد أذكر نفسي وأخواني بخالد ساعة حدوث هذا المشهد .
يستقر موقع خالد من قريش زعيما لبني مخزوم أصحاب القبة فيهم – مجتمع الجيش والأعنة – أي قيادة الفرسان في حربهم والذين كانوا في ثروتهم وعدتهم وبأسهم أقوى بطون قريش إذا انفردت بطونها وإن تنافسوا الزعامة مع غيرهم وكانوا كما يقال يحوزون أو في نصيب من حمية السيادة العربية في الجاهلية .
وقد حارب خالد الإسلام مع قومه فشارك في أحد فكان لسرعة بديهته وبراعة حركته أثرها في أن غير هزيمة قريش إلي نصر فطوق بخيله جيش المسلمين لما انشغل بالغنيمة واوقع الهزيمة بهم .. ثم اشترك في موقعة الخندق فكلفته قريش أن يصمد للنبي صلى الله عليه وسلم إذا التحم القتال وأسندت إليه كتيبة غليظة منهم لأداء هذه المهمة .. ثم أرسلته قريش على رأس جند ليتصدى للمسلمين في الحديبية وإن لم يقع قتال ثم أسلم خالد.
كان أول ماشارك فيه سرية مؤتة بعد شهرين فقط من إسلامه حيث تولى على البديهة قيادة الجيش بعد مصرع قادته الثلاثة فانسحب بالجيش بخطة عبقرية جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يخلع عليه اللقب الذي اشتهر به ” سيف الله المسلول “
ثم كان صلى الله عليه وسلم يعرف له قدره ومكانته حتى قال خالد ” كان لايعدل بي أحدا من أصحابه ” فأسند إليه قيادة كتيبة من كتائب الفتح الأعظم بطشت بصديق الأمس عكرمة بن أبي جهل وأسند إليه قيادة الفرسان في غزوة حنين ثبت بها ما ثبت وأصيب إصابات شديدة فيها .
وجاءت حروب الردة ووقفت مكة والمدينة خلف خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدافع عن الإسلام في مواجهة جزيرة العرب كلها التي ارتدت بصور مختلفة عن الدين .. وكان خالد رضي الله عنه في الحومة من هذه المعمعة وكان له الحصة الكبرى فيها ومنها وقعته الكبرى مع مسيلمة بعد هزيمة قائدين كبيرين منه .
شهد مع الصديق شأنه شأن غيرة من الأبطال واقعات مانعي الزكاة علي أعتاب المدينة ونصر الله الصديق عليهم ثم انطلق علي رأس جيشه الي بني أسد حيث قاتل طليحة في معركة هائلة نصره الله فيها وفر طليحة رغم مااشتهر به من شجاعة وجلد .. ثم طارد فلول المرتدين حتي ادركهم وقد احاطوا بأم زمل – متنبئة أخري مثل طليحة – فدار بينهم قتال حار حتي جعل خالد مئة من الابل لمن يعقر جملها وانهزمت أم زمل فانطلق الي مالك بن نويرة في بني تميم ثم كانت وقعة اليمامة التي فقأ الله بها الردة وقضي عليها .
وهكذا قام خالد وحده بأوفر سهم في حروب الردة وسجل في سجل المفاخر الاسلامية شيئا عظيما ثم انتقل الي حروب العراق وقد ارسله الخليفة علي رأس أحد جيشين الي هناك وأمر باعطاء قيادتهما لمن يصل الحيرة قبل أخيه .. فانطلق رضوان الله عليه فخاض ضد الفرس وعرب العراق خمس عشر معركة لم يهزم ولم يخطئ ولم يخفق في ايها وانما انتصر فيها جميعا حتي دانت له العراق من شمالها الي جنوبها ومن شرقها الي غربها واستقر في الحيرة شهورا حتي جاءه أمر الصديق بالمسير الي الشام لينسي الروم وساوس الشيطان به كما قال الصديق .. وهناك شارك في أعظم فتوحات الشام وقاد أعظم معارك المسلمين ونصره الله فيها – معركة اليرموك – وهكذا دانت الشام للمسلمين كما دانت العراق .
قاتل بكل وسائل الحرب في عصره فقاتل بالكمين والكمينين وقاتل بدون اكمنة وقاتل بالجيوش كما قاتل بالكراديس وقاتل بالاخمسة وقاتل كل انواع القادة والجيوش فاجاد في كل احواله وانتصر .
سبق اسمه وهيبته جيشه فقاتل بهما قبل ان يقاتل بسيفه .. قال صاحب دومة لما سمع بقرب مجئ خالد ” ايها الناس انه خالد .. لا أحد ايمن طائراواصبر علي حرب منه .. ولايري وجه خالد قوم قلوا أو كثروا إلا انهزموا عنه فطاوعوني وصالحوا القوم “
وقال له أحد قادة الروم ” يسمونه جرجة ” وقد طلبه بين الصفين يحادثه ” هل أنزل ربكم علي نبيكم سيفا فاعطاكه فلا تسله علي أحد الا هزمته “
كان هذا خالد بن الوليد ساعة حدوث قصتنا .. قائد من اعظم قادة التاريخ بل قل هو اعظمهم فكل من اشتهر من القادة المبرزين له هنات الاخالد لم يحفظ له التاريخ هنة واحدة وانما سطر له صفحات كلها نسيج من المجد والفخار .
هذه المقدمة الطويلة هامة لنستحضر من خالد في نفسه وفي نفوس الناس عندما كان عاملا لابي عبيدة علي حمص بعد انتهاء المعارك وزاره الاشعث بن قيس ومدحه فاجازه خالد من ماله بعشرة الاف واجاز اخرين من ذوي الباس وذوي الشرف وذوي اللسان وهي عادة كانت شائعة في العرب ولكن هذا البذل عظم علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرسل إلي أبي عبيدة ” أن يقيم خالدا ويعقله بعمامته وبنزع عنه قلنسوته حتي يعلمهم من أين أجاز الأشعث هل من مال الله أم من ماله أم من اصابة اصابها فإن زعم انه من اصابة اصابها فقد أقر بالخيانة وإن زعم أنها من ماله فقد اسرف ” وأمر أباعبيدة أن يعزله علي كل حال وأن يضم إليه عمله وأن يقاسمه ماله صدع أبو عبيدة بالأمر ، وجمع الناس وجلس علي المنبر ودعا بخالد فسأله : ياخالد .. أمن مالك اجزت عشرة الاف أم من إصابة ” وعقدت المفاجأة لسان خالد فلم يجب وأبو عبيدة يكرر السؤال المرة تلو المرة . فوثب بلال مؤذن الرسول صلي الله عليه وسلم وقال له ” ان امير المؤمنين امر فيك بكذا وكذا ” ثم تناول عمامته ونفضها وعقله بها وخالد مستسلم لايمنعه وسأله ما تقول أمن مالك أم من اصابة فقال لا بل من مالي ” فأطلقه وعممه بيده وهو يقول نسمع ونطيع لولاتنا ونفخم ونخدم موالينا ثم قوسم ماله حتي نعليه .
هي قصة كما قلت مذهلة إذ كيف يستسلم هذا القائد الاسطوري لامر قائده دون أن يخطر بباله اعتراض ولاتمرد ولو فعل لارعدت واحمرت له أنوف ولكنه رضي الله عنه كما كان قائدا فذا كان ايضا جنديا فذا فاللهم ارض عن خالد وعن صحب نبيك الأبرار واحشرنا معهم وإن لم نعمل بأعماله.