القائمة إغلاق

يا قومنا: كم مرة تلدغون ولا تتعظون؟

يا قومنا: كم مرة تلدغون ولا تتعظون؟

بقلم: الدكتور عبد الآخر حماد
لست أدري ما مدى صحة الحكاية المنسوبة إلىموشى ديان، والتي يقال فيها إنه سئل عن كون خطتهم في حرب عام 1967 على الجبهة المصرية كانت هي نفسها خطتهم في حرب عام 1956، وكيف لم يخشوا أن يتوقع القادة المصريون تكرار نفس الخطة فيستعدوا لها؟ فأجاب: لا لم نكن نخشى ذلك؛ ولما سئل عن السبب في ذلك قال: لأن العرب قوم لا يقرؤون، وزاد بعضهم: «وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يتذكرون».
لا أعرف – كما أسلفت – مدى صحة نسبة هذه المقولة لديان، ولكن المتابع للأحداث على الساحة العربية لا بد وأن يلاحظ أن جانباً كبيراً من هذا الوصف منطبق على مواقف كثيرة من قادة العرب وزعمائهم. 1
فقد كانت قرارات قمةبيروتالتي عقدت في شهر مارس الماضي لم تجف بعد حين شرعشارونفي اجتياح الأراضي الفلسطينية، الذي نتج عنها ما شهده العالم كله من القتل الجماعي، والدمار والخراب الذي لم يسبق له مثيل، وكأنه يقول لقادة العرب: هذا ردي على تبنيكم للمبادرة السعودية الداعية للتطبيع الكامل بين العرب واليهود، والتي أهملت عمداً الإشارة إلى مطالب عربية كان العرب يصرون عليها سابقاً مثل موضوع عودة اللاجئين وغير ذلك، فلم تكن تلك التنازلات العربية كافية لإرضاءشارونومن معه، بل الواضح أنها فتحت شهيتهم لمزيد من التنازلات يقدمها أقوام لا يحسنون غير تقديم التنازلات.17وقبل أن يتمكن أهلنا فيفلسطينالمسلمة من تضميد جراحاتهم بعد ذاك الاجتياح الغاشم فوجئنا بقادةمصروسوريةوالسعوديةيجتمعون فيشرم الشيخويقررون في وضوح وحسم إدانتهم ورفضهم لما أسموه بالعنف (في جميع أشكاله). وهم بهذا يسوون بين الضحية والجلاد، وبين الظالم المعتدي ومن يقاتل دفاعاً عن حقه السليب، هذا إن أحسنا الظن بهم، وإلا فإن الواضح أن المقصد الأساسي من اجتماعهم لم يكن إلا إدانة المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها، وأنه إن كان ثمة أهداف أخرى من تلك القمة فإنما هي أهداف ثانوية على حد تعبير بعض المحللين.
كما أنه من الواضح أن تلك الإدانة كانت مطلباً أمريكياً ملحاً حمله ولي العهد السعودي لدى عودته من لقاءبوش، وكان لا بد لقادة العرب من الاستجابة لمطلب (السيد) الأمريكي، وإلا وقعوا في المحظور طبقاً للقاعدة (البوشية) القاضية بأن من لم يكن معنا فهو علينا، وعليه فإما أن تكونوا معنا في حربنا ضد الإرهاب – حسب مفهومنا- وإما أن نعتبركم إرهابيين تنطبق عليكم قواعد حربنا (العادلة). 
ولم يأت الحضور السوري في تلك القمة جزافاً، بل كان مقصوداً لذاته؛ فسوريةمتهمة أمريكياً بدعم الإرهاب، ولا بد لها إن كانت تريد أن تحظى بجانب من الرضا الأمريكي أن تقدم شيئاً عملياً في مواجهة هذا الإرهاب المزعوم، ولذا لم يكن غريباً أن يعلنعرفاتبعد ذاك المؤتمر مباشرة أنه لا يستطيع القضاء على الإرهاب؛ لأن بعض قياداته تعيش في خارجفلسطينوهو ليس له سلطة عليهم وكأنه يلمح لوجود بعض قادة المقاومة الفلسطينية فيسورية، وأن علىبوشومن معه أن يضغطوا على النظام السوري من أجل عدم إيوائهم.18ومرة أخرى يأتي الرد الصهيوني على التنازل العربي سريعاً؛ فبعد يوم واحد من إدانة قمةشرم الشيخللمقاومة الفلسطينية عقدت اللجنة المركزية لحزب الليكودالذي يقوم الائتلاف الحاكم في دولةاليهوداجتماعاً قررت فيه بأغلبية الأصوات رفضها لإقامة دولة فلسطينية، ورغم أن بعض الأخبار قد ذكرت أنشارونلم يكن راغباً في اتخاذ هذا القرار لدرجة أن بعض المحللين قد اعتبروا أن ذلك التصويت قد ألحق خسارة فادحة به، وشكل انتصاراً لمنافسه على زعامة الحزببنيامين نتنياهو، إلا أن ذلك لم يكن إلا تقاسم أدوار يبدو فيهشارونبصورة المعتدل الذي يوجد من هو أكثر تطرفاً منه، ولذا فإنه قد أعلن بعد التصويت تمسكه بزعامة حزبه، واحترامه لأي قرار ديمقراطي تتخذه الأغلبية.
ورغم كل ما قدمهعرفاتمن تنازلات يعلمها الخاص والعام إلا أنشارونلم يكفه ذلك، بل أخذ يشترط شروطاً جديدة للعودة للمفاوضات مرة أخرى، فلا بد من الوقف التام لما يسميه بأعمال العنف والحض عليه، بعد أن كان سابقاً يشترط فقط أسبوعاً واحداً من الهدوء، ولا بد من إجراء إصلاحات عميقة داخل كل المجالات في السلطة الفلسطينية، وقد وافقه الكنيست على ذلك، ورغم موافقةعرفاتعلى هذين المطلبين إلا أن ذلك لن يكفي، وسيبدأاليهودفي البحث عن مطالب جديدة، وقد بدأ مكتبشارونحملة ضد مبادرة الأميرعبد اللهحيث قال الأمين العام للحكومة الإسرائيلية: إن الموافقة على هذه المبادرة تعني القضاء على دولة (إسرائيل) ووصف ما حوته المبادرة من اعتراف بدولتهم بأنه اعتراف مشروط بقبول الإملاءات العربية الواردة في هذه المبادرة!(جريدة الحياة 15 / 5 / 2002).19إن مما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه: ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) ، ولكن حكامنا يصرون على أن يلدغوا من نفس الجحر مرات ومرات، وكأنما يريدون أن ينفوا عن أنفسهم صفة الإيمان التي بين المصطفى صل الله عليه وسلم، أنه لا يصح لأهلها إن نكبوا من وجه أن يعودوا إليه ؛ وذلك أن هؤلاء الحكام يبادرون في كل مرة بتقديم التنازلات لأعداء الأمة، ثم يلدغون من جحر التشدد الصهيوني، ومع ذلك يصرون على تقديم تلك التنازلات، والعجيب أن بعضهم يرى في تلك التنازلات إحراجاً لقادة العدو وتعريةٌ لهم أمام الرأي العام العالمي، وكأنهم لا يعلمون أن دولةاليهودفيفلسطينمستثناة من قواعد اللعبة الدولية، وأن هناك ما يزيد عن مائة قرار صادرة عنالأمم المتحدةلم تلتزم بها دولة العدو الصهيوني، ومع ذلك لم تسعَأمريكاحارسة الشرعية الدولية حتى إلى تأنيبها فضلاً عن أن تجيش الجيوش الجرارة ضدها كما تفعل ببلاد المسلمين، ولقد رأينا مؤخراً موقفاليهودمن اللجنة الدولية المشكلة لتقصي الحقائق حول ما حدث في مخيمجنين، حيث رفضوها وهم مطمئنون إلى أنه لن يتمكن أحد من مجرد الإنكار عليهم، بل رضخت الشرعية الدولية لهم وأعلنكوفي عنانحل تلك اللجنة، وأصبحت في خبر كان، ومع هذا لا يزال حكامنا متمسكون بالشرعية الأمريكية المسماة زوراً وبهتاناً بالشرعية الدولية؟ 
إن من العجائب -والعجائب جمة كما قالأبو الطيبأن يظل حكامنا مصرين على السلام مع عدو لا يريد السلام، ويثقون في أناس يشهد تاريخهم على أنهم لا عهد لهم ولا أمان، ويريدون تطبيع العلاقات مع قوم لا طبيعة لهم إلا القتل وسفك الدماء، ومن أولئك الحكام من يعلن أنه لا يمكنه الوثوق بشارون،20وكأن هناك فارقاً بينشارونوبيريزوباراك، لقد راهن دعاة التطبيع في بلادنا علىرابينفكان هو صاحب سياسة تكسير العظام في الانتفاضة الأولى، ثم راهنوا علىبيريزفكان هو صاحب مذبحةقانا، ثم راهنوا علىباراكفكان هو الذي أرسل ثلاثة آلاف جندي صهيوني يحمون السفاحشارونعند تدنيسه لساحة المسجد الأقصى المبارك
إن الذي يجب أن يعيه كل مسلم أنه لا فارق بينشارونونتنياهووبيريزوبوش، فكلهم أعداء لأمة الإسلام، ومن ينتظر من أحدهم خيراً فهو مكلفٌ للأشياء ضد طباعها، وقد زعموا في أساطير الأولين أن ضفدعاً أرادت ذات مرة أن تعبر نهراً، فرأتها عقرب وهي تهم بالسباحة فتوسلت إليها أن تحملها على ظهرها فتعبر معها النهر، فقالت لها الضفدع: ولكنك أيتها العقرب غادرة لئيمة وأخشى إنْ حملتك أن تلدغيني ونحن في عرض النهر، قالت العقرب: لا يمكنني أن أفعل ذلك لأني إن لدغتك فسوف نغرق معاً، وهل أنا جاهلة حتى أهلك نفسي، واقتنعت الضفدع بكلام العقرب،وبأن مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات بينهما قد بدأت، فحملتها وسبحت بها في الماء، وفي وسط النهر حدث ما لم تنتظره الضفدع، فقد لدغتها العقرب لدغة مميتة، وبينما هما منحدران إلى القاع نحو هلاك محقق قالت الضفدع: لم فعلت هذا أيتها العقرب؟ أو لم نكن قد تعاهدنا على أن لا تخوني؟ قالت العقرب: بلى تعاهدنا، ولكنه الطبع يا أُخية يغلب التطبع
لقد نفضنا أيدينا من أقوام قد باعوا دينهم، وخانوا أمتهم وشعوبهم، وارتموا في أحضان أعداء الله عز وجل، ولسنا نشك في أن مصيرهم لن يكون أحسن حالاً من مصير تلك الضفدع، أما أملنا فهو في الله أولاً وقبل كل شيء، ثم في إخواننا الصامدين في أرض الرباط الذين لا يزالون قابضين على الجمر ثابتين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، وإنا لندعو لهم ونشد على أيديهم، وندعو الأمة21كلها لإعانتهم والوقوف من خلفهم، وإن من المبشرات أن نرى أجيالاً من أولئك المجاهدين ما نشأت إلا في ظل ثقافة الذل ودعاوى التطبيع، ليعلنوا هم أيضاً أن وسائل التدجين لا يمكن أن تقتل روح الجهاد في أمة الإسلام، فتلك طبيعة هذا الدين التي تستعصي على محاولات التطبيع، وذلك قدر هذه الأمة الماضي إلى يوم القيامة، وقد صح في الحديث عنسلمه بن نفيلرضي الله عنه قال: ( كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله! أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح، وقالوا لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صل الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق؛ ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله ) 

التعليقات

موضوعات ذات صلة