القائمة إغلاق

الأصــل في الأشيــاء الإبـــــاحة

الأصــل في الأشيــاء الإبـــــاحة

بقلم: المهندس أسامه حافظ

(الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه), أخرجه الترمذي..

كثيرا ما يجلس بعض من مدعي الإفتاء ويسارع في القول بحرمة الشيء أو حرمة العمل دون دليل إلا أن القول بهذا الشيء لم يكن موجودا في عصر النبوة أو أن هذا العمل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الأبرار..

وكذلك ما ينكر على إنسان فعل شيء سائلا إياه فدليلك على جواز فعل هذا الشيء وإباحته وكأن الله خلق الأشياء حراما والأعمال ممنوعة إلا أن يأتي الدليل على جوازه.

ولهذا كان لابد من شرح هذه القاعدة الضابطة شديدة الأهمية لكي تضبط كثيرا من فتاوى المتحدثين في الدين في الأمور التي لم تتناولها الأدلة الشرعية, وهي قاعدة هامة وأنموذج راق لتيسير الشريعة ورحمة الشارع الحكيم بخلقه, وتبرز مرونتها في التعامل مع الواقع المتجدد وحوادثها التي لا حد لها.

وهذه القاعة ببساطة شديدة تعني أن الله خلق لنا كبشر ما في الأرض جميعا من أشياء وأعمال وجعله لنا مباحا حلالا طيبا واستثنى بالنهي والتحريم بعضا منه لحكمه قدرها علمها من علمها وجهلها من جهلها, فما ورد الدليل بالنهي عنه فهو الممنوع وماعدا ذلك بقى على أصل الحل.

والآن ما المقصود بالحل عند الأصوليين؟.

إنه خطاب الشارع الدال على تخيير المكلف بين الفعل والترك بمعنى أنه أعلم فاعله لا ضرر عليه ومن فعله وتركه فلا يمدح على فعله ولا على تركه ولا يلزم كذلك, ويقال له حلال وجائز ومطلق.

إن الأصل هو الحل وهو اختيار هذه الدراسة بينما ذهب الأشعري والصيرفي وبعض الشافعية إلى الوقف فيه, فلا يوصف بحل أو حرمة إلا أن يشهد له الدليل وهو رأي كما ترى يجمد التعامل مع مستحدثات الواقع ويعطل مصالح العباد, بينما ذهب البعض إلى أن الأصل المنع وهو قول أقل انتشارا بين الفقهاء والأصوليين من مسابقين وقد استدل الجمهور بأدلة كثيرة من الكتاب نسوق منها:

ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً), سورة البقرة.

ـ (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ), فالنص فصل ما حرم عليهم وما عداه فليس بمحرم .

ـ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ), الأعراف.

ـ (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ), الأنعام.

ومن الحديث نسوق أمثلة:

ـ (إن من أعظم المسلمين جرما من سال عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته), متفق عليه.

ـ (الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه), أخرجه الترمذي.

ومن المفيد أن ندرك أهمية هذه المسألة من دخولها في شتى فروع الفقه, بل لا تكاد تجد بابا يخلو من اللجوء إليها عند انعدام الأول, ونسوق لذلك أمثلة:

ـ في باب الطهارة أن الأصل في كل الأشياء الطهارة ما لم يرد دليل بالنجاسة, إن النجاسة إذا سقطت في الماء الكثير فلم تؤثر على لونه أو طعمه أو رائحته بقى على أصل الطهارة.

ـ في أبواب المعاملات الأصل في العقود الحل, فكل عرض لم يتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها في ضبط العقود فهو صحيح, وكل شرط التزمه العاقد صحيح إلا شرط أحل حراما أو حرم حلالا.

ـ في الأطعمة كل حيوان أو نبات لم يردما يدل على حرمة أكله حل سواء عرفنا اسمه أم لا نعرفه.

ـ وفي القضاء كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته, وكل إنسان بريء الذمة ما لم يثبت ما يخالف ذلك.

وهكذا لا تكاد تجد بابا من أبواب الفقه يخلو من تطبيقات لهذه القاعدة, ولا يخفي أن هذه القاعدة وإن كانت مضطردة في أكثر أبواب الفقه إلا أن هناك استثناء وهي أنها تعكس في العبادات إذ الأصل فيها المنع لأن العبادات توفيقية, فلا يجوز التعبد إلا بما أمر الله به وما عداه لا يجوز التعبد به.

بقى أن نقول أن هذه القاعدة الهامة تضيع بين الإفراط والتفريط, فهناك المتجاهل لها الذي يسارع إلى تحريم الأشياء والأعمال لأنها لم تكن في عصر النبوة أو كانت ولم يرد ما يدل على فعله صلى الله عليه وسلم لها أو إقراره إياها, فتراه يحرم نقل الأعضاء أو أنواع الرياضات المستحدثة أو أنواع من الوظائف والعقود وغير ذلك, ليس عن دليل سوى ذلك, وذلك لا شك من المغالاة المذمومة ونزعة التحريم بغير حق.

وعلى الطرف الآخر يبالغ آخرون في استخدام هذه القاعدة بالقول بإباحة ما لم يرد نص صريح بحرمته بدعوى عدم ورود ما يدل على الحرمة وإن الأصل في الأشياء الإباحة دون التطرف في أدلة الفقه الأخرى – من قياس واستحسان واستصحاب وشرع م قبلنا وغير ذلك – , فتراه يقول بإباحة المخدرات والسجائر وأنواع الخمور الحديثة وغير ذلك رغم أن هذه الفتاوى تتصادم مع أصول وقواعد شرعية ظاهرها تجاهلها تمسكا بظاهر هذه القاعدة.

وعليه فهذه القاعدة تكون عند غياب الدليل المانع والنظر في الأدلة الشرعية المختلفة من قبل أهل العلم المتمرسين بدراسة الشريعة ومقاصدها.. وبعد,,

فمظاهر التيسير ورفع الحرج في شريعتنا الغراء أكبر من أن تدخل تحت الحصر, وهذه القاعدة من ابرز هذه المظاهر ولازالت هناك مظاهر أخرى نتناولها إن شاء الله في مرات قادمة..

التعليقات

موضوعات ذات صلة