القائمة إغلاق

عصام دربالة الفارس الذي فقدناه

عصام دربالة الفارس الذي فقدناه
بقلم/ الدكتورعبد الآخر حماد

رغم أن الشيخ عصام دربالة رحمه الله كان من قادة الجماعة الإسلامية قبل عام 1981 إلا أنني لا أذكر أنني التقيته قبل دخولنا السجن في أواخر تلك السنة بعد مقتل الرئيس السادات وما تلا ذلك من أحداث ، إذ كان رحمه الله ممن يحبون أن يعملوا في صمت ودون ضجيج أو سعي للظهور والشهرة ، ولكني حين التقيته لأول مرة في سجن استقبال طرة -بعد أن انتهت التحقيقات وبدأت أحوال السجن في التحسن شيئاً ما – أقول إني حين التقيته شعرت أني أجالس رجلاً ليس من أهل هذا الزمان ، فقد رأيت رجلاً تتمثل فيه مكارم الأخلاق من الشهامة والمروءة والرجولة ،مع السكينة وهدوء الطبع ،ثم الجدية في أموره كلها ،فما علمناه إلا صواماً قواماً حريصاً على الطاعة في أوقاته كلها.
كان –رغم ضعف بنيته- يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان لا يدع قيام الليل أبداً ، وأذكر أنه كان لا ينام أكثر من أربع ساعات في يومه وليلته ، ومع ذلك تجده دائماً في قمة النشاط والقدرة على العمل والعطاء وخدمة إخوانه رغم أنه كان مقطوع اليد اليمنى . وكانت علاقاته مع الناس مثالاً للخلق الإسلامي الرفيع من حيث التواضع ولين الجانب وحب الخير للناس كافة. وإني لأشهد أني ما رأيته يحادث أحداً إلا بصيغ الاحترام والتبجيل ،وكان إذا خاطب أحداً من إخوانه لا يناديه إلا بقوله: يا شيخ فلان،ولو كان ذلك الأخ يصغره بعشرين سنة. أذكر أنني كنت في فترة اعتقالنا عام 1981 م ،قد تناقشت مع بعض إخواننا من محافظة المنيا ( عرفت فيما بعد أنهم كانوا من تلاميذه المقربين ) حول أحداث أسيوط التي وقعت في أكتوبر 1981وأذكر أنه كان لي شيء من الاعتراض على ما وقع في تلك الأحداث من حيث جدواها ومردودها على الحركة الإسلامية، وكان لأولئك الشباب رأي آخر ،وقد حدث بيننا شيء من الحدة في القول والعلو في الصوت ، ثم انتهى ذاك المجلس وافترقنا ، وبعد يوم أو يومين لقيني الشيخ عصام رحمه الله تعالى في وقت التريض- ويبدو أن أولئك الإخوة كانوا قد أخبروه بما حدث -وإذا به يعتذر لي اعتذاراً شديداً عما حدث من أولئك الإخوة وأنه ما كان ينبغي لهم أن يرفعوا أصواتهم عليَّ حتى لو خالفوني فيما أقول ، وقد حاولت حينها أن أبين له أن الأمر لا يتطلب اعتذاراً ،وأني أيضاً قد وقعت فيما وقعوا فيه من الحدة والغضب والتعصب للرأي ، لكنه أبى إلا أن يكرر اعتذاره طالباً أن أسامح أولئك الإخوة مبيناً أنهم لا يكنون للعبد الفقير إلا كل مودة واحترام.
ولما أعلنت الجماعة الإسلامية مبادرتها لوقف العنف عام 1997م كان الشيخ عصام دربالة من أبرز الداعين لها ،وشارك في كتب المراجعات التي أبرزت الفكر الجديد للجماعة الإسلامية ،وله كتابات مهمة تؤصل للتوجه الدعوي السلمي الذي تبنته الجماعة الإسلامية بعد المبادرة ،ومن ذلك كتابه : (الإسلام وتهذيب الحروب )، وكتاب : (استراتيجية وتفجيرات القاعدة ، الأخطاء والأخطار ).
وبعد ثورة يناير 2011 اختير رئيساً لمجلس شورى الجماعة الإسلامية ، وكان ذلك عن طريق انتخابات حرة نزيهة شارك فيه أعضاء الجمعية العمومية للجماعة الذين جاؤوا أيضاً عن طريق انتخابات حرة مباشرة ،وقد استطاع الشيخ عصام دربالة بحكمته وحسن إدارته وبمعاونة إخوانه أن ينقل الجماعة نقلة نوعية في العمل الدعوي والعمل السياسي ،وتم تحت قيادته تأسيس حزب البناء والتنمية الذي اعترف المنصفون من كل الاتجاهات السياسية بأنه كان مثالاً للفكر السياسي الناضج الحريص على إعلاء مصلحة الوطن والمواطنين وتقديمها على كل مصلحة خاصة .
ومع ذلك كله تجد بعض الكتابات الظالمة التي تتهم الشيخ عصام دربالة بأنه كان يقود الجماعة الإسلامية نحو العنف والارتداد عن مبادرة وقف العنف حتى كتب أحدهم يقول : ((وأشرف عصام دربالة قبل القبض عليه، على مجلة جديدة تصدرها الجماعة الإسلامية، بعنوان (بناء)، تحض على ممارسة العنف ضد أجهزة الدولة، وكتب فيها أن الردع بالجهاد هو أهم وسائل الثورة)) . والحق أن هذا القول هو الكذب بعينه ؛فليس في المجلة المذكورة هذا الذي ادعاه ذلك المدعي ، بل إن العنوان الرئيس الموجود على غلاف تلك المجلة هو ( سلمية سلمية ) ، وفي داخل العدد حوار مع الشيخ عصام رحمه الله وكله تركيز على مبدأ السلمية ،وقد ذكر فيه أن حقيقة الأزمة الراهنة في مصر هي أن كل طرف من أطرافها يريد الانفراد بوضع أسس مستقبل الوطن ، ثم قال بالنص : (( يجب أن نبحث عن حل ينتصر فيه الوطن ككل لا أحد أطراف الصراع فقط )) ، ولما سئل عن أن هناك من المعارضين للنظام من يرفض الحل السياسي ويرى ضرورة الحل الثوري الجذري الذي ربما يعتمد العنف أنكر ذلك القول إنكاراً شديداً مبيناً أن ذلك الحل (( سيؤدي إلى استنزاف خطير لأطراف الصراع وإهدار لمقدرات الوطن دون حسم نهائي لصالح الثورة )) . هذا كلامه رحمه الله بحروفه فأين فيه ما زعمه ذلك الزاعم من أنه رحمه الله حض على العنف وحرض عليه . وعصام دربالة هو صاحب صيحة : (لا للتفجير ) التي جعلها بعد ذلك عنواناً لرسالة طيبة أصدرها قبل اعتقاله بوقت يسير وفيها استنكر رحمه الله كل محاولة للتخريب وتدمير البنية التحتية لاقتصاد بلادنا،وعصام دربالة هو من أوائل من تصدى لظاهرة الغلو في التكفير منذ أن ضمتنا السجون في أوائل الثمانيات بل من قبل ذلك حين تصدى لذلك الفكر إبان دراسته في الجامعة ، وقد صدر له مؤخراً رسالة بعنوان : (المختصر المفيد في الرد على من ادعى ردة أهل مصر عن التوحيد )، بين فيها بالأدلة القاطعة بطلان ما يدعيه بعض الغلاة من ردة أهل مصر أو غالبيتهم عن الإسلام . وعصام دربالة هو صاحب المحاضرات التي كان يجوب بها محافظات مصر حول مخالفات تنظيم دولة الخلافة ( أو ما يعرف إعلامياً بتنظيم داعش )وما وقعوا فيه من مخالفات شرعية ، فماذا يراد منه أكثر من ذلك ؟ لقد كان عصام دربالة كما وصفه الإعلامي سيد علي -بحق- رمزاً للاعتدال والحكمة والدعوة إلى السلمية ، وهذه شهادة منصفة من رجلٍ لا نشك في أنه يخالف الشيخ عصام دربالة في كثير مما يراه ، ويا ليت كل إعلاميينا يحذون حذوه ،ويعلموا أنه من المستحيل جمع الناس جميعاً على رؤية واحدة ، ويتخلوا عن منطق التخوين ووصم كل مخالف لهم في الرأي بأنه من دعاة العنف والإرهاب. اللهم ارحم عبدك عصام دربالة وارفع درجته في المهديين ، اللهم إنك أرحم به منا فتقبله في الصالحين وأنزله منازل الشهداء بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم آمين .

التعليقات

موضوعات ذات صلة