القائمة إغلاق

لا لاستهداف السياح الجزء الأول

لا لاستهداف السياح الجزء الأول

بقلم الدكتور: عصام دربالة رحمه الله

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله حده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)([1]).

 (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)([2])

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)([3]).

وبعد..

مع إعلان حركة العقاب الثوري تحذيرها للسياح وللعاملين الأجانب في مصر بضرورة مغادرة البلاد وعدم القدوم إليها مرة أخرى، تجددت المخاوف من أن يكون هذا تمهيدًا لاستهدافهم بالقتل.. ومن ثم تجدد السؤال:

هل يجوز استهداف السياح بالقتل؟

وتتابعت الاسئلة:

هل تأشيرة الدخول تعد أمانًا للسائح تمنع اسهتدافه؟.

هل تحذير بعض المواطنين للسياح من القدوم إلى مصر كافٍ لإباحة استهدافهم؟.

وهل حضور السائح إلى البلاد ظنًا منه أنه آمن ليس له أثر في هذا الحكم؟.

هذه الأسئلة وأسئلة أخرى عديدة طرحت نفسها تحتاج للقطع إلى إجابات شرعية واضحة وشافية، وهو ما ستحاول هذه الدراسة القيام به وتبيينه لكل الراغبين في أن تأتي أعمالهم موافقة لصحيح الدين, ومحققه لرضى رب العالمين.

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)([4]).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المؤلف:

عصام دربالة

تمهيد:

برزت ظاهرة استهداف الأجانب والسياح بالقتل مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي, وتارة كان هذا الاستهداف يحمل رسالة إلى الدول التي يتبعها هؤلاء الرعايا, وتارة كانت تلك الرسالة موجهة إلى الدول التي تقع على أرضها هذه العمليات وفي كل الأحوال كان الهدف واحدًا, ويتلخص في الضغط على هذه الدولة أو تلك؛ لتغيير بعض سياستها التي يرى منفذوا هذه الأحداث أنها ظالمة أو خاطئة.

واستند القائمون بهذه العمليات على مقدمات ظنوها صحيحة فولدت النتيجة الخاطئة, وتلك المقدمات تتلخص في أمرين:

الأول: إن هؤلاء الأجانب سواء كانوا خبراء أو فنيين أو سائحين محاربون دخلوا دار الإسلام أو دار الحرب, والأصل استباحة دمائهم.

الثاني: إن هؤلاء الأجانب لا يصح الأمان الممنوح لهم لسبب من الآتي:

إن أركان الأمان الشرعي غير قائمة؛ لأن هؤلاء لم يطلبوا أمانًا من أحد ولم يعطهم أحد الأمان بالمعنى الشرعي, فالأمر بينهما والحكومات على صورة أخرى غير الأمان الشرعي, ومن ثم فلا عقد للأمان قائم ولا عاقد له ولا معقود له.

إذا افترضنا وجود مثل هذا الأمان فهو غير معتبر لصدوره ممن لا يصح أمانة.

إنهم ليس لهم شبهة أمان بعد تحذيرهم من القدوم لهذه البلاد, ويستدلون على ذلك بحادثة قتل الصحابي أبي بصير لأحد الرجلين اللذين تسلماه من النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقا لبنود صلح الحديبية.

إنه على فرض وجود أمانة لهم صحيح أو شبهة أمان معتبرة شرعًا فقد نقضوا هذا الأمان بما يفعلون من مخالفات لمقتضي الأمان.

تلك هي المستندات التي يعتمد عليها الذين يستهدفون الأجانب والسياح بالقتل, وقبل أن نبين وجه الخطأ فيها نكتب عدة هوامش على دفتر هذه القضية:

الهامش الأول: إباحة السياحة في الأرض.

حث الإسلام الناس على السير في الأرض والنظر في سير الأولين والآخرين؛ للتدبر فيها والـتأمل والتفكر في عظمة الخلق وحكمة الأقدار, قال تعالى: (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)([5]).

قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)([6]).

وقال تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)([7]).

فالضرب في الأرض كما قال القرطبي على أنواع: منها ما هو جائز, ومنها ما هو محرم, وذلك على حسب الغرض منه؛ ولذلك فإن السياحة جائزة سواء كانت للأغراض العلاجية أو الترفيهية أو التعليمية أو الثقافية أو التأميلية لتحصيل العظة والاعتبار. أما إذا صاحب أيًا منها ما يدخل في عداد المعاصي فهنا تصير السياحة محرمة ليس لذاتها ولكن لغيرها ولأمر خارج عنها؛ ومن ثم فلا حرج على أي دولة كانت في أن ترصد جزءًا من مواردها لتنمية الأنشطة السياحية بما يحقق تنمية الدخل القومي شريطة ألا يكون ذلك على حساب القيم والأخلاق والأحكام الشرعية وأمن البلاد والعباد, وهذا هو النموذج المطلوب اليوم تقديمه من الدول الإسلامية للعالم.

الهامش الثاني: إباحة الاستعانة بالأجانب وغير المسلمين لتحقيق مصلحة مشروعة

أباحت الشريعة لأمة الإسلام الاستعانة بالأجانب وغير المسلمين لتحقيق مصلحة مشروعة طالما عرف من يُستعان به منهم حسن الرأي, وانتفى في حقه سوء القصد, ولعل في استعانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق بعبد الله بن أريقط الليثي([8]) لمساعدتها في الهجرة إلى المدينة, وكان هاديًا ماهرًا بالطريق رغم أنه كان على دين قومه من قريش؛ دليلًا بينًا على ذلك الأصل, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (وإنَّ اللهَ ليؤيِّدُ هذا الدينَ بالرجلِ الفاجرِ)([9]).

الهامش الثالث: تعميم خاطيء:

إن اعتبار كل الأجانب والسياح الذين يترددون على البلاد الإسلامية محاربين حكم فيه تجاوز لا يخفى, وخلل لا يغتفر؛ وذلك لأن هناك من بينهم من يعتنق الدين الإسلامي وإن حمل جنسية أجنبية, ولأن من بينهم أيضًا من لا يجوز قتله –ولو كان من غير المسلمين– كالنساء والأطفال والرهبان والشيوخ…. إلخ؛ كما أن منهم من يدخل بأمان أو لتجارة أو لسماع الإسلام مما يعد مانعًا يمنع من قتلهم.

تفنيد الاستدلالات السابقة:

بالنظر إلى استدلالات القائلين بجواز قتل الأجانب والسياح التي ذكرناها من قبل, يمكن القول: إنها تنطوي على عدد من الأخطاء التي تتعلق بتنزيل أحكام الأمان بشكل غير صحيح في هذه القضية, وبيان ذلك كالآتي:

أولًا: الخطأ في جعل كل أجنبي أو سائح محاربا مستباح الدم:

لقد اوضحنا في الهامش الثالث على دفتر القضية أن هذا التعميم خاطيء؛ لاحتمال وجود من لا يجوز قتله بين هؤلاء الأجانب أو السياح المستهدفين.

وبيان ذلك كالآتي:

قد يكون من بين أولئك الأجانب السياح مسلم معصوم الدم لا يجوز استهدافه يقول الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)([10]), ويقول سبحانه: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)([11]). قال مجاهد رحمه الله: في الإثم وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق.

 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ، يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ، إلا بإحدى ثلاثٍ: النفسُ بالنفسِ، والثيبُ الزاني، والمفارقُ لدِينِه التاركُ للجماعةِ)([12]).

وكما أن دماء المسلمين محرمة فإن أموالهم محرمة محترمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنَّ دماءَكُمْ وأموالَكُم عليكُمْ حرَامٌ، كحُرْمَةِ يومِكُمْ هذَا، في شهرِكُم هذَا، في بلَدِكُم هذَا)([13]).

وقد يكون بين أولئك الأجانب والسياح من لا يجوز قتله؛ لأن الشريعة نهت عن قتل أصناف من الكفار كالنساء والأطفال والشيوخ والرهبان ونحوهم طالما لم يقاتلوا أهل الإسلام, وذلك للأدلة الآتية:

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قال: (وجِدَتِ امرأةٌ مقتولةً في بعضِ مغازي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن قتلِ النساءِ والصبيانِ)(([14]

عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انطلِقوا باسمِ اللَّهِ وباللَّهِ وعلَى ملَّةِ رسولِ اللَّهِ ولا تقتُلوا شَيخًا فانيًا ولا طِفلًا ولا صَغيرًا ولا امرأةً ولا تَغلُّوا وضمُّوا غَنائمَكُم وأصلِحوا وأحسِنوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المحسِنينَ)([15])

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال (لا تقتُلوا أصحابَ الصَّوامعِ)([16]).

قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ)([17]).

وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا)([18]).

وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم, وهم يد على من سواهم من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا)([19]).



[1]– آل عمران: 102

[2]– النساء: 1

[3]– الأحزاب: 70- 71

[4]– البقرة: 127

[5]– آل عمران: 137

[6]– محمد: 10

[7]– النساء: 100

[8]– راجع هذه الواقعة في ” زاد المعاد ” لابن القيم (2/ 53)

[9]– رواه البخاري (3062), ومسلم (111 / 178) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

[10]– النساء: 93

[11]– المائدة: 32

[12]– رواه البخاري (6878) عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.

[13]–  رواه البخاري (1741), ومسلم (1679/29) عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه.

[14]–  رواه البخاري (3015) ومسلم (1744/24)

[15]– رواه أبو داود (2614) وضعفه الألباني.

[16]– رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/484/33132)

[17]– التوبة: 6

[18]– رواه بالخاري (3166) عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما

[19]– رواه أحمد في المسند (1 / 119) عن علي رضي الله عنه وقال الأرناؤط: صحيح لغيره, رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي حسان الأعرج فمن رجال مسلم

التعليقات

موضوعات ذات صلة