حذر من يأس الشباب من التغيير بآليات ديمقراطية
دربالة : أمريكا تتخذ داعش ذريعة لإجهاض الربيع العربي
أثار تنظيم الدولة الإسلامية داعش العديد من التساؤلات حول نشأته وعلاقته بالأمريكان ، ثم الاهتمام العالمي بالتنظيم وصناعة تحالف دولي يضم أكثر من أربعين دولة لمحاربته واستهدافه ، ومدي تأثير ذلك علي ثورات الربيع العربي ، ثم ما هو موقف الجماعة الإسلامية من داعش وهل يملك هذا التنظيم فرص حقيقية في البقاء والاستمرار والتمدد هذه الموضوعات هي محور الجزء الثاني من الحوار مع الدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شوري الجماعة الإسلامية
س: الدكتور عصام درباله .. ما هي رؤيتكم للحملة الأمريكية الغربية المدعومة من دول المنطقه هل هي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أم لها علاقة بثورات الربيع العربي؟.
ج: هذه الحملة موجهة بكل تأكيد ضد ثورات الربيع العربي وضد كل عوامل قوة منطقتنا العربية ومن ثم هي تتخذ “داعش” ذريعة لهذا التدخل لأجهاض ثورات الربيع العربي كهدف أول ثم تسعى لإيجاد حالة من الصراع الداخلي على أساس عرقي أو ديني أو طائفي في كل قطر تؤدي إلى استنزاف كل أطراف الصراع بما فيها جيوش تلك الأقطار بما يؤدي إما إلى إنهاكها أو تفتيتها وتقسيمها وكل هذا يصب في النهاية في صالح ماتعتبره أمريكا خاصة تحقيقًا لمصالحها النفطية أو السياسية أو الاستراتيجية في مواجهة منافسين محتملين كروسيا الاتحادية والصين وبما يحقق مصالح إسرائيل في إضعاف قوة المقاومة والجيوش العربية وتقزيم الدول حولها.
س: هل معنى هذا أن “داعش” متآمرة مع أمريكا؟!
ج: لا -بحسب الظاهر من الأمور– “داعش” غير متأمرة وليسوا عملاء لأمريكا لأن بداية تكوين “داعش” ترجع إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بالعراق الذي نشأ في عام 2004م لمقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق الذي تم في 2003م, واستمر التنظيم يقاوم الاحتلال طوال فترة وجوده, وسعى الاحتلال الأمريكي إلى مواجهة التنظيم عن طريق إنشاء قوات موالية له عرفت بالصحوات من بعض أبناء العشائر والقبائل العراقية, وقامت أمريكا باغتيال “أبي مصعب الزرقاوي” قائد تنظيم القاعدة في 2006م وأبي عمر البغدادي في 2010 أمير دولة العراق الإسلامية, وهي اليوم كونت حلفًا من خمسين دولة لإسقاط تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق, فهل من المعقول أن يكونوا عملاء لأمريكا, فتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق هو أحد الأخطار التي من أجلها تم تجريد هذه الحملة لكن يتم توظيف حالة “داعش” لتنفيذ مخطط إجهاض الثورات العربية سواء في سوريا أو ثورة العشائر السنية في وسط العراق أو في اليمن وليبيا ومصر, وهذا التوظيف ليس جديدا.
س: بمعنى..؟!
ج: تاريخيًا يشبه مايحدث الآن ما تم بعد هجمات تنظيم القاعدة على برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001م حيث وظفت أمريكا هذه الحالة لإسقاط دولة طالبان في أفغانستان وتدمير ركائز تنظيم القاعدة ثم احتلال العراق ودعم النظم الاستبدادية بالمنطقة العربية بذريعة مواجهة الإرهاب. س: لكن أمريكا رحبت بالثورات العربية في بداية الأمر؟! ج: هذا صحيح, لأنها كانت تعتقد أنها ستفرز نظمًا علمانية تتوافق مع مصالحها وتعمق العلاقة مع إسرائيل فوجدت أن الشعوب اختارت في أغلب الثورات الاتجاهات الإسلامية أو الثورية التى تنحاز لهوية الأمة ومصالحها ولا تتفق مع مصالح أميركا وإسرائيل ومن ثم عادت أميركا وأوربا إلى سيرتهم الأولى من دعم الثورات المضادة وتفضيل النظم العسكرية والطائفية على ما تختاره الشعوب حتى لو كان على حساب مباديء الحرية وحقوق الإنسان التي تتشدق بها, وهذا خطأ أمريكي فادح متكرر وسوف تكتشف بعد حين أن أضمن طريق لتحقيق مصالحها أن تحترم اختيارات الشعوب وتحترم الهوية والخصوصية الحضارية لدول المنطقة, وتقيم علاقتها على أساس التواصل الحضاري والمصالح المشتركة بدلًا من منطق التبعية لها والانحياز لإسرائيل وصدام الحضارات.
س: هناك حالة إعجاب متزايد بين الشباب بما تحققه “داعش” من نجاحات, فما تقييمك لها؟.
ج: الإعجاب المتزايد “بداعش” من الشباب حقيقة مشاهدة خاصة في الفضاء الالكتروني وهو قد يتسق مع طبيعة الشباب لكن هناك دلالة أهم وهي أن يأس الشباب من التغيير عن طريق الآليات الديمقراطية وحدوث الانقلابات العسكرية والاضطهاد والقمع الذى فاق كل الحدود يجعل هؤلاء الشباب يتجهون الى صندوق الذخيرة بدلا من صندوق الانتخابات, ويكفرون بالسلمية ويتبنون الحلول العسكرية وهذا خطر عظيم, وأخطر منه أن يكون هذا الإعجاب بتنظيم خلط عملًا صالحًا بأعمال سيئة.
س: وما العمل الصالح الذي لدى تنظيم الدولة الاسلامية؟
ج: تنظيم الدولة الاسلامية تنظيم بشري فمن الطبيعي أن تجد فيه أمور جيدة وأخرى خاطئة, والمولى سبحانه أمرنا “وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان” ومن هذا المنطلق فإن الأمور الصحيحة لديه تتمثل في مواجهته للاحتلال الأمريكي للعراق, وسعيه لمواجهة اضطهاد الشيعة لأهل السنة, ورغبته في إقامة دولة إسلامية رغم أن هذه الأمور تخللتها أشياء خاطئة مثل استهداف عموم الشيعة أحيانا بأمور لا تصح وغير ذلك, فهذا ماله أما ما عليه فهو كثير.
س: وماذا عليه؟.
ج: يمكن تصنيف الأخطاء التي وقع فيها تنظيم الدولة الاسلامية إلى ثلاث اتجاهات كالآتى: أولًا: أخطاء تتعلق بالجانب العقدي فرغم تأكيد تنظيم الدولة الإسلامية على اتباعه لعقيدة أهل السنة والجماعة خاصة فيما يتعلق بعدم تكفير العصاة أو تكفير الشخص المعين الذي وقع منه كفر إلا بعد استيفاء شروط، وانتفاء موانع التكفير؛ نجده يذهب إلى تكفير كل من يشارك في العملية السياسية ويكفرون لذلك أحزابًا إسلامية كالحزب الإسلامي في العراق، ويذهب إلى تكفير كافة الحكام والجيوش العربية, ويقولون لا فرق بين مبارك وابن علي ومعمر وبين مرسي وعبد الجليل والغنوشي, واعتبار كل الديار في العالم الإسلامي اليوم ديار كفر لعلو الأحكام الوضعية عليها، ويحكمون بردة من تعامل مع المحتل بالبيع والشراء رغم أن هذا الفعل لا يدخل في نواقض الإسلام.
س: هل هذا التوسع في التكفير ثابت عنهم؟
ج: نعم هو من أقوال أبي عمر البغدادي أمير دولة العراق الإسلامية, ومن أقوال قادتها ومتحدثها الرسمي، كما أن الواقع العملي في تنفيذ هذه الأمور يثبت ذلك, وهناك تفصيلات أخرى عديدة قد لا يتسع لها المقام في الرد عليها ومناقشتها, ونسأل الله التيسير لاستعراضها من خلال دراسة مفصلة.
س: هذا عن الأخطاء في الجانب العقيدي فماذا عن الجوانب الأخرى؟
ج: هناك أخطاء فيما يتعلق بجانب السياسة الشرعية وقواعدها الحاكمة لعملية تحقيق الأهداف والعلاقات مع الآخرين وبناء الدول وتقدير المصالح والمفاسد والمآلات وغير ذلك، ولنضرب مثالًا واحدًا لذلك وهو المسارعة بإعلان الخلافة والمطالبة بالدخول في طاعة أبي بكر البغدادي وإيجاب الهجرة إليه ومن لا يفعل ذلك يلحقه الآثم أو النكال، وبالقطع فإن هذا الإعلان بالخلافة باطل ولا يصح؛ لأن تولي هذا المنصب لا يتم الا بعد مشاورة مع كل المسلمين المعنيين بذلك الأمر وهو ما لم يتم، ثم هب أن الناس هاجرت إليه ألا يعتبر ذلك تجميعًا للعاملين للإسلام في صعيد واحد لتنقض عليهم القوى المعادية للإسلام فتفنيهم عن بكرة أبيهم, وهل من المصلحة الشرعية حدوث ذلك أو تفريغ البلاد الإسلامية من العاملين للإسلام وتركها لقمة سائغة لدعاة الألحاد والفساد.
س: ما هي آخر جوانب الخطأ لدى تنظيم الدولة الإسلامية؟
ج: الصور التى يقدمها تنظيم الدولة للإسلام صورة سلبية لا تجذب أحدًا للإسلام ولا تبين حقيقته العظيمة، فأعمال الذبح وقتل المخالفين والتنكيل بالذين لا يتفقون معهم ولو كان من المجاهدين, وتكفير أصحاب الاجتهاد والحركات المخالفة لهم في حرمة العمل السياسي, وغير ذلك يرسم صورة للإسلام أنه ضد التنوع والتواصل والتعاون.
س: ما هى فرص نجاح “داعش” من وجهة نظرك؟.
ج: تضمحل فرص نجاح تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق إذا ما استمر أخطاؤه التى ذكرناها واستمر في سياسته التوسعية والصدامية مع غيره في كل الاتجاهات سواء من الحركات الجهادية, أو المجموعات العرقية كالأكراد, أو الطائفية كعموم الشيعة, وحكومات دول الخليج والسعودية وأميركا، أما إذا قام تنظيم الدولة بترشيد استراتيجيته بحيث يقتصر على الحفاظ على حقوق السنة في العراق وتثبيت أركان سيطرته على الرقعة التي تخضع له والتخلص من أخطائه العقدية, وتقديم صورة معبرة عن حقيقة الإسلام الداعية للتواصل مع الآخريين والتسامح وإقامة دولة العدل والشورى والاهتمام ببناء المجتمع والدولة؛ فهنا يمكن أن تجد الدولة فرصة للبقاء خاصة في ظل رغبة أطراف دولية وإقليمية في وجود طرف عراقي سني في مواجهة الطرف الشيعي والطموح الإيراني.