الغابة .. الجزء الثالث
بقلم فضيلة الشيخ: عبود الزمر
(4)
في عرين الأسد اجتمعت اللجنة المختصة بالتفاوض لتقويم الأداء الدبلوماسي فقام الغراب بعرض ملخص لما تم إنجازه.
ولكن النمر وجّه سؤالاً إليهما حيث قال : لقد كان من المفترض أن رجوعكما بالرد الشافي , ولكنكما أجلتما الرد ثلاث ليال فهل هناك ما استدعى تعديل التخطيط؟!!
هزّ الذئب رأسه موافقاً على السؤال .. بينما نظر الأسد باهتمام إلى الثعلب وهويقول: يا سادة لقد فوجئنا بأن الفيل عقائدي الموقف , ومقتنع جداً بما يقوم به فخشيت أن يرفض العرض في لحظة اعتزاز وإباء, فأفسحت المجال أمامه للتفكير.
الذئب (مقاطعاً): وهل تظن أن إمهاله بعض الوقت سيغير من موقفه العقائدي ؟!
ابتسم الثعلب قائلاً : إن أصحاب العقائد لا يلينون أبداً إلا إذا كانت هناك تغيرات مؤثرة على مواقفهم.
الأسد : أجب مباشرة على السؤال ولا تسهب.
الثعلب : إن مجرد مناقشة الأمر مع زملائه الغيلة سيظهر من بينهم من يقبل بإقتراحنا وكذلك فإن العديد من الأمهات ستشكل ضغطاً عاطفياً لصالحنا حرصاً على صغارها من القتل خلال هذه المعارك , وأردف قائلاً بعبارة استرضائية : وما فعلت ذلك عن أمري ولكن بفضل توجيهاتكم لي وإقرار المفاوض الأول ” الغراب” للتعديل الذي أضفته.
هز الغراب رأسه مؤيداً بينما سُر الجميع بكفاءة الطاقم المفاوض , وأعلن الأسد في ختام الجلسة الرضا عن المفاوضات , والذهاب في الموعد المحدد لتلقي الرد, على أن يعقد الاجتماع القادم فور عودة الطاقم المفاوض.
(5)
على ضوء القمر أقبلت الفيلة بناء على أمر الاستدعاء الصادر إليهم , وتحلقوا في حلقة كبيرة , ولكن كبير الفيلة طلب أن تتنحى الأمهات جانباً ومعهن صغارهن على مقربة من الجلسة بحيث لا يسمعن الحديث , فتم التنفيذ.
بدأ كبير الفيلة في عرض مضمون رسالة الوحوش إلى الفيلة , وما أن انتهى من حديثه حتى سمع همهمات فقال : لا داعي للحديث الجانبي فسنفسح المجال لكافة الأراء دون حرج فإن الرأي السديد لا يتم إلا بمشورة.
تقدم فيل كبير أبيض اللون ذو أذن مشقوقة وقال في ثقة:
إن هذا العرض هو فرصة لنا للخروج من ذلك المأزق الذي يقع فيه القطيع نتيجة لقرار التحالف الذي قطعه رئيسنا تحت وطأة العواطف الجياشة فنحن معشر الفيلة لسنا للوحوش بطعام , فهم لا يحبون طعم لحومنا لسمك جلدنا وكذلك لصعوبة افتراسنا , فمتى دخل سبع في معركة معنا قلما أفلت من السحق تحت الأقدام, وكذلك فإنني أستحثكم على الموافقة على هذا العرض وتقديم الاعتذار لقطعان الماشية الأخرى ” قال ذلك الفيل الأبيض ثم جثا على ركبتيه”.
وهنا قال كبير الفيلة : هل هناك من رأي آخر؟
فتقدم فيل شاب رافعاَ خرطومه وموجهاً التحية للجميع , ثم بدأ يقول : الأمر يا سادة ليس كما ذكره اخي الأكبر” الفيل الأبيض ” لأن دخولنا في التحالف كان بسبب نصرة المظلومين من قطعان الماشية, وكنا نعلم تماماً أن المسألة سيكون فيها تضحيات , ولكنها في سبيل الحق والعدل بعد أن تفشى القتل في أكلة العشب بلا مبرر وبالتالي فلم يكن الأمر من باب العواطف أو الانفعال .
الفيل الابيض مقاطعاً : إسمح لي يا كبير الفيلة أن أقدم لكم تقريرأ عن حالة الوفيات التي حدثت نتيجة المعارك التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
لقد قتل يا سادة عشرة من الفيلة أي ما يعادل أكثر من خمسة عشر بالمئة من إجمالي القطيع.
ثم اختتم حديثه بحركة مسرحية أشار فيها إلى صغار الفيلة وهو يقول : وما ذنب هؤلاء الضعفاء؟!
وهنا تقدم فيل ثالث ولكنه أكبر سناً من الفيلين اللذين تحدثا ثم قال : ليأذن لي سعادة الرئيس أن أعقب على ما سبق من حديث.
رئيس الفيلة : تفضل..
الفيل المسن : لا شك أننا حين دخلنا إلى التحالف كان ذلك باختيارنا ولم نكن مكرهين على ذلك.
النقطة الثانية : أن الخروج من الأمر ليس كالدخول فيه.
الفيل الأبيض : ( مقاطعاً ) : أفصح لنا عن مكنون النقطة الثانية!
الفيل المسن : على رسلك يا أخي .. الذي أقصده هو أنه كان بوسعنا عدم التحالف من بداية الأمر , ولكننا بعد أن تحالفنا وتعاقدنا وبدأت المعركة أصبح الخروج يمثل مشكلة كبرى لقطعان الماشية , خاصة وأنهم خططوا استراتيجيتهم على وجودنا معهم , ثم انظروا يا حضرات الفيلة إلى التاريخ وليكن لكم فيه عبرة .. لقد تحالفت الدول العربية عام 1973 وشنت حرباً شاملة ضد إسرائيل المعتدية على الأرض الفلسطينية , ونجحوا في تحقيق بعض الانتصارات ولكن الرئيس المصري بادر منفرداً إلى عقد معاهدة سلام مع إسرائيل وأخرج نفسه من دائرة الصراع , فأضعف النظام العربي كله وتسبب في عُزلة بلده , ولم تقم للعرب بعدها قائمة , وأصبح الرئيس المصري خائناً في نظر الدول العربية . أترضون يا سادة أن توصفوا بهذا المصطلح الذي يأباه كل شريف مهما كان الثمن ؟! وإذا كان أحدنا يشير إلى بعض الخسائر التي لحقتنا فإن الذي يدخل إلى الحلبة لا يسلم من اللكمات, ولو أقام كل صاحب حق وزناً للتضحيات ما نهض أحد يطالب بحق, وما وقف مظلوم في وجه ظالم…
وبعد حوار طويل إستمع فيه الجميع إلى الرؤى المتباينة , توصل الرئيس إلى قرار أعلنه في حزم قائلاً: إننا لا نقبل مساومة للخروج من التحالف إلا إذا كان هناك حل يرتضيه سائر قطعان الماشية من أكلة العشب , وسوف نعرض عليهم ما جرى ونرى رأيهم في الأمر.
وهنا ظهرت علامات الاعتراض على الفيل الأبيض حيث انسحب من الجلسة متضايقاً لفوات هذه الفرصة التي كان يرى فيها حلاً لمشكلة إخوانه الفيلة.