القائمة إغلاق

الصحوة الإسلامية حصاد السنين (2)

بقلم الدكتور طارق الزمر 

أما عن أهم النجاحات التي حققتها الصحوة :

١عودة مظاهر الالتزام الشخصي بأحكام الإسلام: حتى أصبحت الصحوة الاسلامية من المظاهر العامة للشارع المصري  وذلك بعـد أن كان السمت العـام هو الانخلاع من أحكام الدين فى عشرينيات و ثلاثينيات القرن الماضي .

٢ـ تعاظم الاهتمام المجتمعي بحدود الله وأحكام الشريعة، حيث أصبح السؤال عن الحلال والحرام من أهم مكونات مجتمعنا ومما يدل على ذلك صراخ بعض العلمانيين و شكواهم المستمرة من تعاظم دور الدين والفتوى فى تشكيل الرأى العام.

٣ـ كشف العديد من جوانب الزيف فى عـقـائد الصـوفـيـة ومحاصرة مفاهيمها الخاملة عن الاسلام والتي أسلمت جسد الأمة للأمراض:, وتركتها فريسة فى يد أعدائها  ؟

٤ـ عودة الإقبال على الكتب الدينية, وهو ما يمكن أن يكون له دور كبير في التصدي لموجات العولمة والغزو الثقافي .  ٥إعادة الاعتبار لكتب التراث: حيث يشهد انتشارها خلال الثلاثين عاما الماضية على توجه أصيل: وهو ما يمكن أن يسهم إلى حد كبير في ترشيد مفاهيم الصحوة وسلوكياتها كما يمكنه أن يعالج مسائل الجنوح فى العمل الإسلامى.

٦ ـ انزواء التيارات والتجمعات اليسارية والليبرالية وبوار تجارتها , بعد أن كان صوتها يعلو فوق كل الأصوات . وذلك لصالح تزايد التأييد لحكم الشريعة, وذلك لان الناس بفطرتها تستجيب بسرعة لكل طرح يستند إلى الاسلام وحكم الشريعةولا يزال بعض العلمانيين يصرحون بخوفهم من تزايد رقعة التأييد الشعبى للشريعة الاسلامية وقضاياها , وإن ارجعوا ذلك إلى عدم الوعى والغوغائية!

٧ ـ وقوف الصحوة الاسلامية في الصفوف الأمامية للدفاع عن الامة كلما وقع عدوان عليها ولا نكاد نرى بطولة واستشهادا في الدفاع عن الأمة ومصيرها إلا حيث كان شبــاب الصـحـوة، وهو ما نراه اليوم في كل بقاع العالم الإسلامي المعرضة للعدوان.

٨ـ توقف زحف المؤسسات العلمانية ـ التي تستهدف تكريس كل نماذج الحياة العلمانية ـ لدرجة أن غلاة العلمانية باتوا يعلنون: أن الجماهير تمارس ضدهم إرهاقا فاق إرهاب الجمـاعـات!! وذلك لانها تستجيب لمنطق الاسلامي بسرعة مذهلة. تطيح فيها بكل المفاهيم والتقاليد العلمانية التي تكون قــد تكرست خلال عـقـود. وأنفق فيها مفكرو العلمانية جل حياتهم!!

٩ ـ كما استطاعت الصحوة أن تخترق العديد من التجمعات الثقافية, بل وأصبح من المألوف أن ينخرط رموز الثقافة والفن فى مجالات العمل الإسلامى بجدية ونشاط، وفي هذا المجال فقد سببت ظاهرة حجاب الفنانات إرباكا لكل مراكز الثقافة فى مصر وأطاحت بعقل رموزها

١٠ ـ كما عملت الصحوة على تحويل الواجبات الاسلامية إلى مؤسسات وهياكل فاعلة داخل المجتمع، وهو مازالت تمضى فيه من خلال المدارس والبنوك والمصارف الاسلامية برغم المعوقات الكثيرة

١١ـ كما قطعت الصحوة شوطا لا بأس به في مجال التفاعل مع مشكلات الناس وهـمـومهم، وهو مـا ترجم فى جـمـعـيـات أهلية خاضت في مجالات عديدة ونجحت نجاحا ملحوظا. وهو دور ـوفي حقيقته ـ يمثل صمام أمان للمجتمع، يحفظه من الانهيار  فهو يقوم على الخدمات الاساسية بشكل يتناسب مع هيبة المجتمع و  كرامته . كما يسهم فى تحقيق العدل الاجتماعى قدر الإمكان.

١٢ ـ كما أصبح للعالم الاسلامي صوت مسموع: بعد أن كان مجال الإعلام  حكرا على اتجاهات معينة وصار للوسائل الإعلامية الاسلامية جـمـهـور عريض وتأثير واضح: ولا سيما بعـد ظهـور الفضائيات والنت برغم حاجتها إلى الترشيد والتوظيف

١٣ـ  فتح الباب واسعا أمام صياغة إسلامية جديدة للعلوم االجتماعية الانسانية حتى لا يقع أبناء الأمة في شرك العقائد والفلسفات المادية التى تعج بها هذه العلوم  بصيغتها الغربية

١٤ ـ كما نجحت الصحوة فى الحضور الفاعل عن طريق الانتخابات النيابية. كما أثبتت قدرة على التواصل مع الجماهير: والدفاع عن حقوقها والعمل على حل مشكلاتها : فضلا عن الدفاع عن أحكام الشريعة وتوضيح موقفها من كل , التشريعات التى تخص مجتمعاتنا  والتواصل مع القضايا والتوجهات السياسية التي تخص الأمة.

وبعد رصد هذه النجاحات المهمة, فلا بد من الوقوف على أهم الاخفاقات: وذلك حتى نكون صادقين مع أنفسنا ( ومن ثم قادرين على تصويب وتطوير وترشيد مسيرتنا.

وأهم جوانب الإخفاق والفشل يمكن رصدها كالتالي:

ا._.لقد فشلت الصحــــوة الاسلامية فى الوصول إلى صيغة تعايش مع الدولة أو النظم السياسية المتعاقبة, وهي ظاهرة عامة لم تنفرد بها مصر بل وجدت فى معظم أقطار العالم الإسلامي،فتكرس الصدام الذى أضر بالمصالح العليا للمجتمعات الإسلامية، وقويت شوكة غلاة العلمانيين الذين يستقوون بالخارج ويهددون الدين بشكل مـبـاشـر, ومع ذلك فإننا ما زلنا نرى الطريق مفتوحا لعودة الوفاق في ضـوء التحولات الدولية الجارية والجارفة, وفي ظل استمرار تهديد أمن العالم الإسلامي للخطر: حيث أصبحت الفرصة سانحة لتحقيق صيغة للوفاق الداخلية تحمي المجتمعات من التدخل الخارجى والاختراق الاجنبي

٢ـ كما لم تتمكن الصحوة الاسلامية من حصار النهج التكفيري الذي شوه صورتها وعوق مسيرتها ووضع الحواجز بينها وبين أبناء أمتها وحال بينها وبين الفاعلية الكاملة فى مراحل مهمة من تاريخ الأمة. فقد ظهر هذا النهج على فترات متعاقبة, وكاد أن يجرفه تيار الصحوة في مساراته. كما لا تزال غير محصنة تحصينا كاملا تجاه إمكانيات ظهوره من جديد, وهو ما يلقي بالتبعة على علماء الصحوة ومربيها ودعاتها

٣ـ كما لم توفق الصحوة حتى الآن فى طرح صيغ تكاملية للعمل الإسلامى. حيث اعتقدت كل جـمـاعـة أو تنظيم أنها على الحق المطلق ومن ثم فقد سعت إلى بناء حواجز عقدية وموائع فقهية بينها وبين الجماعات والتنظيمات الاخرى. وهو ما كرس الخلاف وعوق المسيرة وعطل الأهداف العليا . ‎

٤ ـ كمـا لم توفق الصـحـوة فى منع تضخم بعض المسائل ذات الطابع العقدي حتى أصبحت معيارا لتقييم الجماعات والأفراد،وحاكما على اعمالها ومن أمثلة هذه المسائل، مسألة العذر بالجهل في الثمانينيات, ومسألة تارك جنس العمل فى التسعينيات وحتى الآن, وهي مسائل تستغرق جهدا أكبر من أهميتها بالمقارنة بالادوار الواجبة تجاه العقيدة الصحيحةاألدوار الواجبة تجاه الأمة.

ه ـ كما لم تنجح الصحوة حتى الآن في الوصول إلى صيغ عملية للتفاعل مع قضايا المجتمع: من خلال الظروف الموضـوعـيـة المعاصـرة, وتغلب في ذلك نهج التحليق في آفاق المواقف العقدية والمبدئية  دون محاولة ترجمتها إلى خطط عـمـلـيـة, أو بناء رؤية تخدم قضايا العقيدة وقضايا الأمة المهمـةبرغم أن المدقق في فقه السلف الصالح يجدهم لم يعدموا حلول عملية للمواقف المختلفة. من خلال نظرية الموازنات وفقه المصالح:

ـ فالإمام ابن تـيـمـيـة أجاز تولي الولايات ولو كانت ظالمة كالمكوس ـ من باب تخفيف الشر قدر الإمكان, بشرط أن تكون تلك نيته. وأن يغلب على ظنه القدرة على ذلك (مـجـمـوع الفتاوى ج٢٨ص١٥٩،١١٩)

ـ كما ذكر أن يوسف عليه السلام فى ولايته. كان لا يستطيع أن  يفعل كل ما يريد بل يفعل بعض ما يريد( م.س ج ٢٨/ص٦٦)

ـ كمـا ذكر أن النجاشى مـا كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك ومع ذلك قال: إن النجاشي وأمثاله سعداء في الجنة. وإن كانوا لم بلتزمـوا من شرائع الاسلام مـا لا يقدرون على التزامه: بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها )م.س.ج ١٩/ص٢١٨ـ٢١٩)

ـ وقال العـز بن عبد السلام: »إذا تفاوتت رتب الفسوق في حق الأمـة قدمنا أقلهم فسوقا مثل إن كان فسق أحد الأئمة بقتل النفوس وفسق الآخر بانتهاك حـرمــة الابضــا،: وفسق الآخــر بالتعرض للأموال. قدمنا المتعرض للأموال على المتعرض للدماء والابضـاعفإن قيل: أيجوز القتال مع أحدهما لإقـامـة ولايته.وإدارة تصـرفـه: مع إعانته على معصيته؟ قلنا: نعم؟ دفعا لما بين مفسدتين الفسوقين من التفاوت, ودرءا للأفسد فالأفسد )قواعد الأحكام: ج١ ص٨٦ـ٨٧ )

٦.كـمـا لم تتجح الصـحـوة حـتى الآن فى تحــديد أولويات مشروعها الاصلاحي أو التغيير ومن ثم فقد فشلت في تحديد مسارها العام بدقة, فصارت كالسفينة فى عرض البحـر. تتقاذفها الأمواج: تسير للأمام حينا وتتحرك بجانبها حينا وربما تراجعت للخلف حينا آخر.

ـ كما فشلت الصحوة في معالجة ظاهرة تضخم الولاءات والانتماءات التنظيمية والحزبية على حساب قضايا الأمة. فتقدمت المشاريع الخـاصـة على المشـروع الاسلامي العـام, والذي يجب أن يتقدم على كل المشاريع وأن يترجم إلى واقع حي في خطاب كل الفصائل الاسلامية

٨ـ كما لم توفق الصحوة حتى الآن فى طرح برنامج سياسي كامل لادارة الدولة المعاصرة, في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتجددة, والتحولات الدولية السياسية والاقتصادية المتسارعة

٩ـ كمـا لم تنجح بشكل كامل فى التصدى لموجات التغريب البشعة التي نالت من بعض شبابنا وأودت بهم في شبكات عبدة الشيطان: ومنظمات الشواذ ومسابقات ستار أكاديمي: فضلا عن مظاهر التحرش الجنسى !! والتي يحاول بعض المهووسين أن يرجعوا سـبـبـهـا إلى مظاهر الصحوة الدينيـة!! وليس ملاحـقـة مظاهرها ومطاردة رموزها ومصادرة منابرها

١٠ـ  كما لم تبذل الصحــــوة الجهد الكافى لإيجاد وصناعة القادة والمربين, وذلك حتى لا يتحـول نتاج الدعوة وحصيلتها إلى عبء على العمل الإسلامى: ويشوه بناءه بدلا من أن يرصعه، فلا يخفى أن قلة عدد القادة والمربين قد أصبحت من, أهم المشكلات المتنامية, ورتبت مشكالت فى مجالات عدة، قد تعصف بالمسارات الرئيسية للعمل الإسلامى .

ا ـ كـمـا أن انطـلاق الدعـاة إلى الله دون تنظيم لبرامجهم الدعوية, أو تنظيم لموجات التعبئة المعنوية في ظل الظروف القاسية التى تمر بها استثناء قد حول الشبـاب إلى قنبلة منزوعة الفتيل. لا تلبث أن تنفجر عند أول صدام أو احتكاك: وسواء كان ذلك مطلوبا أو غـيـر مطلوب, وفى هـذا المجــال يجب تخطيط وتنظيم درجة التعبئة ومستواها بما لا يخل بأدوار وأطوار العمل الإسلامي في كل مرحلة وفى كل موقع أو إقليم.

١٢ـ وبرغم النجاح الكبير فى مجال الدعوة العـامـة, من حيث قدرتها على تحقيق الامتداد الأفقي والتفوق العددي.الا أن ذلك جاء على حساب الامتداد الرأسي والتفوق النوعي، وفي هذا المجال فإنه من النادر أن تجـد حرصا من الدعــاة على إيجـاد وبناء الشخصية المتكاملة والمتوازنة برغم أن تحديات العصر ومشكلات الساحة الاسلامية تتطلب بشدة هذا النوع من الشخصيات وهذا الفن في البناء.

وفى ضـوء كل مــا سـبقء يمكن أن نقرر أن المســتـقـبل الوعــد للصحوة الاسلامية قد أصبح رهينا بتصحيح الأخطاء العلمية والنظرية, إصلاح  العيوب العملية والهيكلية والبنيانية على أساس رؤية مستقبلية تعتمد: استمرار وتكثيف جهود الصحوة في المجالات الدعوية والتعليمية والتربوية والاجتماعية, والتأكيد على التأهل لخوض غمار العمل العام, فى إطار الدفاع عن شريعة الاسلام والعمل على تحكيمها في شتى مجالات الحياة: والعمل على تأييد حركات المقاومة الاسلامية وفى القلب منها حركات القـائمـة في فلسطين وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم؟



التعليقات

موضوعات ذات صلة