بقلم: الشيخ علي محمد الشريف
كل أمر أمره الله تعالى فى كتابه العزيز هو لمصلحه العباد فى الدنيا والآخرة ، وكل نهى نهى الله عنه فهو لدفع مفسدة وضرر عن عباده ، فلم ينزل الله تعالى شرعه إلا لمصلحة العباد ، قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فالشريعة الإسلامية رحمة ومصلحة للعالمين ، وقال تعالى : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) ليس هناك شقاء لمن عمل بشريعة الله ، بل الشقاء كل الشقاء لمن تركها ولم يعمل بها ، والسعادة كل السعادة لمن تمسك و عمل بها ، فقد قال العلماء إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله ، وإذا وجدت المفسدة والضيق والحرج فاعلم أن هذا ليس بشرع الله ، فإذا أخذ المسلمون قرارا ثم وجدوه قد جلب عليهم الكثير من المفاسد ، فلا حرج عليهم أن يرجعوا عنه ، وكان هذا دأب النبى صلى الله علبه وسلم ، فقد حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف بضعا وعشرين ليلة ، ثم استعصى الحصن على الفتح ، وكثر القتل فى أصحابه ، فأمر بالرحيل ، ولم يكن هذا جبنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تراجعا عن النهج ولا تخليا عن القضية ، إنما كان صلى الله عليه وسلم يدور مع مصلحة المسلمين حيث دارت ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحلف على يمين ثم يرى غيرها خيرا منها إلا أتى الذى هو خير ثم كفر عن يمينه ، فلا يمنعه الحلف عن ترك ما به الضر والعدول عنه إلى ما فيه المصلحة والخير ، وانظروا إلى خالد بن الوليد لما وجد عدد المسلمين فى غزوة مؤتة ثلاثة آلاف ، وعدد الكافرين مائتى ألف ، قرر الإنسحاب بجيش المسلمين ، لاستنقاذهم من الإبادة ، فلم يكن ذلك جبنا ولا تخاذلا ، بل كانت من محامده التى أثنى عليه المؤرخون والمحللون العسكريون بها على مدار التاريخ ، ولما اشتد حصار الأحزاب للمدينة ، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى بعض المشركين ثلث ثمار المدينة وينصرفوا ، أراد أن يفعل ذلك ليخفف الحصار عن المسلمين ، ولم يكن بذلك مداهنا ولا عميلا للمشركين ، إنما كان يسعى خلف مصلحة المسلمين حيث كانت ، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة عقد معاهدة دفاع مشترك مع اليهود ، ولم يكن ذلك مداهنة أو خيانة ، بل هو العمل على مصلحة المسلمين ، لأن المسلمين فى ذلك الوقت كانوا قلة وكانت الدولة الإسلامية وليدة لم تقو بعد ، والأمثلة على سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف المصلحة العامة للمسلمين وعدم التشبث بالقرارات التى يتبين قله جدواها كثيرة جدا ، وقد أباح الله تعالى للمسلمين أن ينسحبوا من المعركة إذا كان عدد العدو ضعف عدد المسلمين ، وذلك حفاظا على المسلمين من الإستئصال والإبادة ، إذن هناك مرونة واسعة منضبطة بالشرع الحنيف ، وخيارات متعددة تتغير مع تغير الظروف والأحوال ، لكننا للأسف تربينا على الجمود ، وعلى الرأى الواحد ، وعندنا ضعف شديد فى السياسة الشرعية ، بل سامحونى إذا قلت عندنا سذاجة وسطحية سياسية ، وعدم خبرة ، فلا نعرف متى نقدم ومتى نحجم ، ومتى نحارب ومتى نصالح ، ومتى نهادن ومتى نحالف ، وللحديث بقية إن شاء الله