من صور الطلاق البدعي.. طلاق الثلاث بلفظ واحد 2
بقلم: المهندس أسامة حافظ
الأصل في الطلاق أن يكون مفرقا ” .. الطلاق مرتان .. ” فإن جمع الثلاثة في مرة واحدة فإنه يكون مخالفاً للسنة ومفرقا للبدعة نتيجة مخالفة الهدي الرباني في تفريق الطلاق. وفي حكم حرمته قولان للأئمة.
القول الأول: وهو مذهب جمهور العلماء ومنهم أحمد ومالك أبو حنيفة إن هذا الطلاق بدعي محظور.
وقد استدلوا في بذلك بالقرآن في قوله تعالي “الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ..” وبالسنة في حديث النسائي إن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أخبر أن رجلاً طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال “أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم” حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا اقتله.
وما كان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ليغضب هذا الغضب الشديد إلا أن يكون محرم.
وكذا استندوا إلي بعض أثار الصحابة ومنها: ما روي عن ابن عمر أنه قال لرجل طلق ثلاثا مجموعة:”عصيت ربك وبانت منك امرأتك“.
القول الثاني: وهو مذهب فريق من العلماء منهم الإمام الشافعي إنه مباح لا حرمة فيه واستدلوا بأن القرآن لم يفرق بين أن تكون الثلاث مجموعة أو مفرقه في قوله تعالي “فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ” ومن السنة بحديث الملاعنة وتطليق عويمر امرأته ثلاثا بعدها؛ ولو كان حراماً لأنكر عليه النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ذلك.
والأقرب في هذه المسألة إنه طلاق بدعة محرم؛ لمخالفته للحكمة الربانية في جعل الطلاق ثلاثا ليعطي الفرص في التروي ومراجعة النفس ولمخالفته للنصوص سالفة الذكر.أما الملاعنين فقد تفرقا بمجرد اللعان وصار الطلاق هنا لغواً
هذا بخصوص حكمه، أما بخصوص وقوعه فقد اختلف فيه الفقهاء على مذاهب أربعة:
الأول: إنه يقع ثلاثا تبين به امرأته بينونة كبري وهو مذهب جمهرة الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة
واستدلوا بنصوص من السنة منها :حديث النسائي سالف الذكر إلي جانب أحاديث أخري لا تخلو من مقال في السند أو في المعني، واستدلوا أيضاً بنصوص للصحابة والتابعين مثل: ما روي عن على بن أبي طالب لما جاءه رجل وقد طلق امرأته ألفا فقال له: “بانت منك ثلاثا” وما روي عن ابن مسعود ردا على الرجل الذي طلق امرأته تسعا وتسعين إذ قال له:” ثلاث تبينها منك وسائرهن عدوان” إلي غير ذلك من نقول.
وكذا استدلوا بما اعتبروه إجماعاً قاله ابن حجر إذا اعتبر أن فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ وعدم مخالفة الصحابة له إجماع سكوتي وقالوا إنه لا عبرة بالمخالف بعد الإجماع.
واستدلوا بالقياس والمعقول إذ أن الطلاق حق للرجل له حر معروف يملك إمضاءه متى شاء سواء أمضاه مجموعا أو مفرقا متى وقع من صاحبه على محله.
أما القول الثاني: فهو أن هذا الطلاق يقع طلقة رجعية وهو قول جمع من فقهاء أهل البيت ومن مشايخ قرطبة وعدد من الصحابة والتابعين وهو قول شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم.
وقد استدلوا بقوله تعالي ” الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ..” وقالوا : إن الله تعالي شرع الطلاق مفرقا مرة بعد مرة ولم يشرعه ثلاثا دفعة واحدة فإن فعله الزوج على خلاف الشرع رد إلي المشروع.
واستدلوا من السنة بحديث أحمد ومسلم عن ابن عباس “كان الطلاق على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه اناه فلو أمضيناه عليهم فافضاه عليهم” وبحديث مسلم إن أبا الصهباء قال لأبن عباس ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة قال قد كان ذلك فلما كان عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم.
وقد أجاب الجمهور على ما سبق من أدله بأجوبة كثيرة لا يخلو أكثرها من تكلف.
أما القول الثالث: وهو قول الشيعة الأمامية وبعض الظاهرية أن هذا الطلاق لا يقع به شيء أصلاً.
وقد استدلوا بالحديث “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” ولا يخفي ضعف الاستدلال هنا في مواجهة صريح النصوص.
الرابع: هو التفريق بين المدخول بها والذي يوقعون بها الثلاث وغير المدخول بها والذي يكون في حقها واحدة.
واستدلوا بحديث أبى داود “إن رجلاً يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس وقال له :أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر، قال ابن عباس: نعم.
واستدلوا أيضاً بأن غير المدخول بها تبين بواحدة فتنزل الطلقات الباقية في غير محل.
والذي اعتقد أنه أقرب للأدلة وأقرب لرفع الحرج عن الناس وهو مقصود شرعي معتبر: أن هذا الطلاق لا يقع إلا واحدة رجعية.
وهو الرأي الذي جري عليه الإفتاء في هيئة الفتوى بالأزهر ودار الإفتاء المصرية وعموم متأخرى العلماء هذا فضلاً عن تضمين هذا الرأي في قانون الأحوال الشخصية المصري والله الموفق لما فيه الصواب.