الإطناب فى القرآن الكريم (2(
بقلم: الشيخ علي محمد علي الشريف
(1) – الإطناب لتتم الفائدة .
قال الله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) أى يطعمون الطعام مع محبته واشتهائه والحاجة إليه ، وهذا يدل على شدة الكرم ، وعلى مدى سيطرة الصحابة على نفوسهم وانتصارهم عليها ، وأنهم قد ملكوها ولم تملكهم ، وكسروها ولم تكسرهم ، وهذا كقوله تعالى (وآتى المال على حبه ) وكقوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون( .
(2) – قد يكون الإطناب بالتكرار وذلك لتعدد السبب .
وذلك كقول الله تعالى : ( فبأى آلاء ربكما تكذبان ) فقد كررت فى سورة الرحمن مرات عدة ، لأنه سبحانه وتعالى ذكر نعمة بعد نعمة ، وعقب على كل نعمة بقوله ( فبأى آلاء ربك تكذبان ) فكل نعمة تختلف عن غيرها وكأنه يقول له : اتكذب بهذه النعمة ، أم بهذه ، أم بهذه ، وهكذا .
وكقول الله تعالى ( ثم ذهب إلى أهله يتمطى ، أولى لك فأولى ، ثم أولى لك فأولى ) ( يتمطى ) أى يمشى متكبرا متبخترا ، فرد الله عليه بهذا التهديد الشديد ، والوعيد الأكيد ، ، فقال له على سبيل الإستهذاء : حق لك أن تتبختر ، حق لك أن تتبختر ، أى لأنك جاهل ، ولم تر العذاب بعد ، فسوف ترى مغبة كبرك هذا عندما تلقى فى نار جهنم ، فالتكرار هنا زيادة فى الإستهذاء بهذا الكافر المتعجرف المتكبر .
(3) – قد يكون الإطناب للتذييل . والتذييل هو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد ، أو تكون عله للجملة الأولى ، أونتيجة وهكذا .
وذلك كقوله تعالى ( ذلك جزيناهم بما كفروا وهل يجازى إلا الكفور ) فالجملة الثانية ( وهل يجازى اﻻ الكفور ) تذييل للجملة الأولى وهى نفسها فى المعنى وقد جلبت للتوكيد ، وكقوله تعالى ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ) فالجملة الثانية ( إن الباطل كان زهوقا) تذييل للجملة الأولى وهى نفسها فى المعنى لكنها للتوكيد .
(4) – الإطناب لتفخيم الأمر وتعظيمه .
كقوله تعالى ( وقضينا إليه – ذلك الأمر – أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) ففى إبهام الأمر ثم تفسيره تفخيم للأمر وتعظيمه ، أى وقضينا إليه أمرا عظيما هائلا ، وهو أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ، وفعلا إن هلاك الظالمين المجرمين الذين يحرمون شعوبهم الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفتحون سجونهم ومعتقلاتهم للدعاة إلى الله ، إن هلاكهم لخبر عظيم .
(5) — وقد يكون الإطناب بتكرار اللفظ لطول الكلام .
وذلك كقوله تعالى : ( ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) فقد كرر ( إن ربك ) لطول الكلام ، وذلك كقوله تعالى ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) فكرر (إن ربك) لطول الفصل .
وذلك لأن الكلام إذا طال الفصل فيه بين أوله وآخره ، وكان الكلام يفتقر إلى تمام لا يفهم الا بإعادة اللفظ الأول ، فالأولى فى باب الفصاحة أن يعاد اللفظ الأول مرة ثانية .
(6) — الاطناب بالإعتراض وله أنواع .
(ا) الإعتراض للتنبيه على أهمية أحد المذكورين وذلك كقوله تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه – حملته أمه وهنا على هن وفصاله فى عامين – أن أشكر لى ولوالديك ) فالأعتراض بقوله ( حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين ) زيادة إهتمام بالأم .
(ب) الإعتراض لدفع التوهم .
وذلك كقوله تعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله – والله يعلم إنك لرسوله – والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) فجملة ( والله يعلم إنك لرسوله ) جملة اعتراضية أفادت أن الله تعالى يشهد بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عنده ولكن كلام المنافقين من لسانهم فقط ولم يستقر فى قلوبهم بل قلوبهم منكرة وجاحدة ، ولولا هذا الإعتراض لفهم أن الله تعالى ينفى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
(ج) الإعتراض للتنزيه .
كقوله تعالى ( ويجعلون لله البنات – سبحانه – ولهم ما يشتهون( .
اعترض هنا بكلمة( سبحانه ) وهى بمعنى أنزه الله تعالى من كل عيب ونقص ، وكأن الكلام : ويجعلون لله البنات وهو منزه عن ذلك ولهم ما يشتهون .
(7) من أحب أحدا أطنب معه فى الكلام .
وذلك كقول الله تعالى ( وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكأ عليها ، وأهش بها على غنمى ، ولى فيها مآرب أخرى ) فقد أطنب موسى فى الكلام مع ربه ، وذلك للذة المناجاة وحلاوة الكلام مع رب العالمين ، وذلك لعظم محب موسى لربه ، بل وقال له ( ولى فيها مآرب أخرى ) لكى يسأله ربه ، وما هى هذه المآرب يا موسى ؟ فيستمر الحوار ويطول مع رب العالمين .
وأسباب الإطناب كثيرة نكتفى بما ذكرناه فإن من تأمله أمكنه أن يعرف الأسباب الباقية .
نسأل الله تعالى أن يرزقنا فهم القرآن وحسن تدبره