رداً علي رئيس تحرير الشروق .. مبادرة الجماعة صخرة ستتحطم عليها داعش وأخواتها
بقلم .. عصمت الصاوي
أطلقت الجماعة الإسلامية مبادرة وقف العنف عام 1997 ومر على هذا الميلاد أكثر من 18 سنة كاملة.. قطعت الجماعة خلالها أشواطاً طوال في تدعيم وترسيخ القواعد والأعمدة التي بُنيت وشُيدت عليها المبادرة المباركة ، بل وأثمرت هذه المبادرة ثماراً ذاق حلاوتها المجتمع المصري كله.. بل والكثير من دول الجوار الذين تقبلوها بالبشر والترحاب والقبول، ورأي الجميع فيها بداية حقيقية لفكر عميق واع يدرك المخاطر التي تواجه الوطن والأمة ، ويعمل علي مواجهتها وحربها والقضاء عليها وفق منظمومة مواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، ورأوا فيها نهاية حقيقية لحقبة سوداء مظلمة ومؤلمة في تاريخ مصر،كما رأي عقلاء الأمة وحكمائها أن مبادرة وقف العنف هي بمثابة مصالحة وطنية عظيمة تحفظ نسيج الوطن وتحافظ علي أمنه وتعمل على رخائه ونموه ، ورأوا فيها أنها لم تقدم حلاً جزئياً أو وقتيا للصراع وإنما قدمت حلولاً جذرية وأبدية تقضي على الاحتراب الداخلي وتستأصل جذوره وفق رؤية شرعية وواقعية متكاملة ، وأصبحت اليوم مبادرة وقف العنف وتجربة الجماعه الاسلامية في التسعينات بمثابة النموذج الذي ينهل منه المفكرون والساسة والمراقبون وصناع القرار في محاولة التعامل والتعاطي مع مشكلة بيت المقدس في سيناء رغم الاختلافات العميقة بين التجربتين ، وعلي الرغم من ثراء تجربة الجماعة الاسلامية وقدرة أفرادها وقياداتها علي تصدير تجربة المبادرة وجعلها نموذجا يستلهم منه الشباب والجماعات مخاطر الدخول في نفق التنظيمات السرية والعمل المسلح ، وهو عين ما كان يقوم به الدكتور عصام دربالة قبل القبض عليه من خلال ندوات نظمها حزب البناء والتنمية توضح مخاطر داعش علي الدولة والمجتمع بصفه خاصة وعلي الاسلام ذاته بصفة عامة ومخاطر بيت المقدس علي الدولة المصرية ، حتي أنه أجاب في حواره مع موقع المصريون بعدم جواز الانضمام لبيت المقدس وولاية سيناء ، ورغم ثراء التجربة ومرور 18عاما وأكثر على مبادرة وقف العنف.. إلا أنه مازال يحلو للبعض أن يثير الشكوك ويطلق الاكاذيب ويسعي الي تزييف التاريخ إما جاهلا وإما متعمدا !!
ـ وقد تقبل هذه الأقاويل وتسمع تلك الأباطيل ممن لا خبرة لديهم ولا خلفية ثقافية عندهم ، أما أن تصدر هذه الأقوال ممن يتصدر المشهد الإعلامي والسياسي الأن فلابد من أن تكون هذه الأراجيف لها دلالات وأهداف ، فالمقال الذي كتبه رئيس تحرير جريدة الشروق عماد الدين حسين تحت عنوان (من قال أن الإرهاب يحقق الأهداف ) هو مقال لا يصب في صالح الفكرة التي أراد الكاتب خدمتها بقدر ما يضر بتجربة رائدة تصلح للاستلهام والتكرار واستخلاص الفوائد منها ،وبل وربما تكون هي الملاذ الأمن الذي تتكسر علي عتبته داعش واخواتها ، فقد تعامل الكاتب برعونة شديدة مع تجربة رائدة وزيف الأحداث وخلط الوقائع وخالف كل المعايير المهنية والمنهجية وعمد الي تزييف وعي الجماهير وخداعهم .
ومن الممكن أن نجيب على مزاعم رئيس تحرير الشروق وغيره ممن يجهلون استراتيجيات الجماعة الاسلامية التي اعتمدوها في مبادرة وقف العنف وما بعدها وأعلوا من خلالها صالح دينهم وأوطانهم من خلال مجموعة من النقاط وعلى رأسها:-
الأولى : أن هناك فقر حاد في معرفة أسلوب الجماعة الإسلامية وقادتها في العمل.. إذ ليس من دأبهم أن يكون لهم وجهان وجه يتحدثون به للناس والإعلام ، ووجه يتحدثون به في الغرف المغلقة ، وبمعنى أخر ليس من طبيعتهم أن يتكلموا عن السلام وهم يخططون للحرب ، فعندما كانت الجماعة الإسلامية تعتقد أن الصدام المسلح هو الحق والصواب وهو الأهدى سبيلا نطقت بما اعتقدت ونفذت ما نطقت به في صراحة ووضوح ودون خوف أو مواربة ، وعندما رأت أن هذا الصدام لا يصب إلا في صالح أعداء الإسلام وأعداء الأمة وأنه ليس له ثمرة سوى سفك الدماء وزرع الأحقاد وتفتيت الأمة وإضعافها ، بل أنه تحققت فيه كل الموانع التي تدعو لوقفه وانتفت عنه الشروط التي تدعو لإمضائه وقفت الجماعة الإسلامية ذات الموقف الذي كانت رائدته منذ أكثر من ربع قرن لتعلن بنفس القوة ونفس الشجاعة وقف هذا الاحتراب إلي الأبد مستندة في ذلك علي الرؤية الشرعية المتعمقة والنظرة الواقعية الواعية ، وبل وقام رئيس مجلس شوراها الدكتور عصام دربالة بعقد ندوات تندد بهذا المسار الذي تتبناه داعش وبيت المقدس مستلهما تجربته وجماعته وما أحدثه الصراع والاحتراب من مفاسد علي الوطن والمشروع الاسلامي في مصر، وما آلت اليه الأحداث من إطلاق المبادرة التاريخية لوقف العنف في مصر وتفكيك الجناح العسكري الي الأبد والتحول الي العمل السياسي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير من خلال حزب البناء والتنمية والعمل المجتمعي من خلال الجمعيات الأهلية ، وهذا ما يتنافي مع ما ذهب اليه رئيس تحرير الشروق بلغته الهابطة الركيكة المتواضعه أن الجماعة ابتعدت عن المبادرة واستخد تعبيره الحصري ( توبة مضروبة ) إلا إذا كان سيادته يعتبر أن المعارضة السياسية من خلال حزب سياسي ارتدادا عن المبادرة ، ويعتبر التحول من العمل المسلح الي الاندماج في المجتمع وممارسة الحق في العمل السياسي إرتدادا عن المبادرة ، ويعتبر دعوة الحزب مع طلعة كل شمس الي المصالحة الوطنية الشاملة والحلول السياسية العادلة ارتدادا عن المبادرة .
الثانية : المواقف العملية التي اتخذتها الجماعة الإسلامية منذ ثوره 25 يناير وإلى اليوم والتي تدل كلها على تمسك الجماعة بالخيار الإستراتيجي السلمي الذي تبنته في تسعينيات القرن الماضي – وليس التوبة المضروبة – فلم تلجأ إلى العنف في الوقت الذي كان العنف فيه مبرراً والدولة في أضعف حالتها بعد 25 يناير وإنما كان موقفها يدل على توجهها وصدق اختيارها فقد حمت الكنائس والمنشآت العامة ومؤسسات الدولة – ولم تستهدفها كما يدعي عماد الدين حسين – وشاركت في اللجان الشعبية التي حمت المجتمع وحافظت عليه وقت الفراغ الأمني والإنسحاب الشرطي وكذا دشنت الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية مبادرة وطن واحد ومستقبل مشترك للتواصل مع الكنائس والأقباط على كل مستوياتهم في الوقت الذي كانت الدولة تدين للتيار الإسلامي وهذا يدل علي قناعات راسخة بالمنهج الذي خطته الجماعة لنفسها والذي يقوم علي التعايش السلمي الآمن بين أبناء المجتمع والتواصل الحضاري المثمر مع دول الجوار.
الثالثة: أن مزاعم عوده الجماعة إلى العنف – التوبة المضروبة – تخالف أبجديات التسلسل التاريخي للأحداث.. فلم تكن هذه المراجعات وليدة يوم لا شمس فيه أو عقب ضربة إجهاضية أضعفتها وأثرت فيها.. وإنما استغرق التفكير في تلك المراجعات سنوات طوال من البحث المستفيض والجهد المضني والدراسات العلمية المتعمقة والنظرات الواقعية المتأملة حتى تراكمت قناعات شرعية وواقعية راسخة بضرورة وقف هذا الاحتراب ، فبدأت الجماعة منذ عام 1990 تحاول وأد هذه الفتنة وإيقافها ، ولا يخفى أن في هذا التوقيت كان عدد المعتقلين من أبناء الجماعة الإسلامية لا يتجاوز بضع مئات لا أكثر، وعلي الرغم من ذلك كان السعي حثيثاً لطرح الأفكار والأراء حول وقف العنف والصدام.. وكانت هناك وساطات من كبار العلماء والمفكرين ولكن لم يكتب لها النجاح لأسباب تخرج عن إرادة الجماعة ولا مجال هنا لبسطها. ويُعد هذا ذلك دليلاً راسخاً على أن قناعات الجماعة بالمبادرة كانت شرعية وواقعية وليست وفق سياسة مرحلية لإعداد العدة والتقاط الأنفاس ، إذ كانت الجماعة في هذا التوقيت مكتملة الصفوف خارج جدران السجون إلا من قيادات الصف الأول وبعض المعتقلين ، ثم شاء الله في عام 1997 أن تنجح المساعي وأن تخطو الجماعة أولى خطواتها في الطريق الذي بدأته منذ عام ( 90 19) لينتهي مسلسل العنف إلى الأبد في تاريخ وأبجديات الجماعة ويبدأ فصل جديد يقوم علي العمل السلمي وفتح قنوات التواصل مع المجتمع المصري من خلال الأطر والقنوات الشرعية والقانونية وهو ما تم ترجمته في 2011 من خلال تدشين حزب البناء والتنمية للعمل السياسي والجمعيات الخيرية للعمل الأهلي .
الرابعة: وليس أدل على صدق قادة الجماعة وصدق توجههم نحو إيقاف العنف وإبطاله, من تسطير هذه القناعات في كتب وإصدارات, إذ البداية الحقيقية لأن تؤصل منهجاً وترسخه أن تمسك بالقلم والمحبرة وتخط ما اعتقدت من أراء وتصورات ليصبح ما سطرت شاهداً عليك وحجة وعهداً بينك وبين الآخرين ، ثم إن هذا المنهج المنظر المكتوب يجعل من مسألة التراجع طعناً في مصداقية صاحبه وفي صدق دعوته ، ولو كانت المراجعات وسيلة لترتيب الأوراق وتنظيم الصفوف لمعاودة كرة الصدام من جديد لاكتفت القيادات بالكلمات المنمقة والعبارات المزخرفة في الأروقة والمكاتب حتى يسهل التنصل منها والتنكر لها عندما تحين الفرصة ويأتي أوان الوثبة ، أو على أقل تقدير لأصبحت كلماتهم حمالة ذات وجوه، ولكن الجماعة لم تفعل ذلك ،وإنما جاءت الدراسات كما ذكر الأستاذ/ أحمد الملسماني في حينها “حاسمة ونهائية ولا تحتمل التأويل أو التبديل أو سوء الفهم ، وقد جاء ذلك كله علي وجه يثير الدهشة”، فضلا أن أوان الوثبة قد أتي في ظل ضعف الدولة وانهيارها بعد 25 يناير وتمسكت الجماعة بخيارها الأصيل واسترتيجيتها السلمية وتحولت الي العمل السياسي
الخامسة: ولم تكتف القيادات التاريخية بتنظير منهجها وتسطير آرائها دون إحداث لقيا قوية وحقيقة بالقواعد ، فملكوا القوة والشجاعة وواجهوا إخوانهم وأبنائهم بموقفهم الجديد.. بل بموقفهم الصريح الواضح الرافض لجملة التجاوزات السابقة.. فكيف يستساغ في عقل وضمير العقلاء أن تأتي هذه القيادات عندما تحين الفرصة وتقول للقواعد هيا نخالف ما اجتمعنا عليه سلفاً وما أصلناه شرعاً وعقلاً ، ألا ترى معي أن ذلك يُعد انتحاراً لتلك القيادات.
السادسة: لقد بلغت أفكار المبادرة بين أبناء الشعب المصري عامة والمثقفين والدولة والحركات الإسلامية خاصة مبلغ التواتر، ووصلت إلي القاصي والداني من أبناء المجتمع ، وهذا يعد أقوى وأرسخ ضمانة لمصداقية المبادرة لدي المجتمع والرأي العام ، إذ ترسخ لدى الجميع أن الجماعة الإسلامية وقياداتها وأبنائها قد نحت نحو الصلح ونبذت الصدام واعتمدت الطريق السلمي أسلوباً لعملها ومستقبلاً لأبنائها ، ومن ثم فتح المجتمع المصري ذراعيه لاحتضان أبناء الجماعة بتوجههم الجديد فكيف يستساغ غداً التنكر لقيم الصلح والموادعة وخلع أثواب الصفح والعفو وارتداء ثياب الحرب وعدتها ،فإذا صنعت الجماعة الإسلامية ذلك فقد فقدت حليفها الطبيعي ورصيدها الاستراتيجي وهو المجتمع الذي تقبلها بشكلها الجديد، وتكون بذلك حكمت على نفسها بالموت السريع وهذا لا يستساغ لدى العقلاء النابهين !!
السابعة : جملة الوعود والعهود التي قطعتها الجماعة الإسلامية على نفسها بوقف الاحتراب الداخلي مع رجال أوفياء مخلصين من رجالات الدولة المصرية وعلي رأسهم اللواء أحمد رأفت رحمه الله ، والذي يؤكد الشارع الحكيم ليس على احترامها فقط وإنما شدد على الوفاء بها “يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود” وقال “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً”
وأخيراً : فإن هذه الحملة على الجماعة الإسلامية والتي يأتي مقال عماد الدين حسين في طياتها إنما تقوم علي تزييف الوقائع والأحداث عن عمد أوعن جهل وربما يكون من أثارها ، الإضرار بالدولة المصرية من خلال إفساد نموذج صحيح لتحويل الجماعات المسلحة الي العمل السلمي من خلال آلية الحوار والمناقشة بدلا من آلية القمع والبطش ، فضلا عن إفشال نموذج يمكن الاقتداء به في تفكيك الأجنحة المسلحة ودمجها في مجتمعاتها دمجا إيجابيا ، ومحاولة شيطنة الجماعة الإسلامية في نظر المجتمع ومن ثم فصلها عن رصيدها الإستراتيجي ومددها الطبيعي .
وعلى الرغم من كل ما تقدم إلا أن قيادات الجماعة الإسلامية وأبنائها يصرون على الوقوف في المربع الصحيح الذي خطته الجماعة لنفسها في نهايات القرن الماضي من خلال منظومة المراجعات الفقهية التي رسمت طريقاً واضحاً للجماعة وأبنائها يقوم على التعايش والتواصل مع أبناء المجتمع المصري علي اختلاف توجهاتهم وتنوع مشاربهم ومعتقداتهم مؤمنين بقول الله تبارك وتعالى “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان”