القائمة إغلاق

يا ربنا.. رمضان مضى وإليك المشتكى

يا ربنا.. رمضان مضى وإليك المشتكى

بقلم فضيلة الشيخ: علي الديناري

بكى الشيخ وأبكانا ليلة وداع رمضان.. كانت قلوبنا جريحة منذ أن بدأ رمضان يستعد للرحيل.

وهاهو الشيخ لم يتمالك نفسه وهو يدعو بنا:

يا ربنا بلغنا رمضان أعواما ً عديدة وسنين مديدة“.

ومضى الشيخ يدعو إلى أن ختم دعاءه واستعددنا للسجود.. ولكن إذا بالشيخ يعود فيدعو يبدو أن همته من الدعاء مازالت راجية.. فعاد يتضرع باكيا ً: “اللهم إن رسولك أبلغنا أنك تدنى عبدك منك وترخى عليه سترك ثم تقول: “أي عبدي أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟؟ فيقول: إي ربى……….”

فضج المسجد كله خلفه باكيا ً ومن ذا يتمالك نفسه وهو يتخيل نفسه في هذا المشهد المهيب ؟!

وإذا بالشيخ يكمل: فيقول الرب عز وجل: “سترتها عليك في الدنيا واليوم أغفرها لك“.

فارتفعت الأصوات بالنحيب ثم قال: “اللهم اجعلنا نحن هذا العبد”.. ثم سجد الشيخ بين الدموع والخشوع والبكاء وقلوب لا تسكن الضلوع.

في يوم آخر فرغ الشيخ من الصلاة فوقف يودع رمضان فقال وهو يبكى:

شهر القرآن ترفق

دموع المحبين تدفق

قلوب المحبين تشقق

وفي آخر صلاة عصر من أيام الاستعداد للفراق جلس الشيخ على منبره ودموعه جاهزة فمضى يقول:

ياعين جودي بالدموع وودعي شهر الصيام وجددي الآمال

رمضان ضيف لكنه خفيف

رمضان ضيف مضى كالطيف

المساجد كانت بالزائرين معمورة

وبسطها كانت بالساجدين مسرورة

تلاوة القرآن كانت لذة

الصلاة كانت خفيفة

البقاء في المساجد كان متعة

رمضان ضيف لم يكن في حاجة إلينا.. بل نحن في حاجة إليه

أعطانا ولم يأخذ منا

قلوبنا كانت من الغفلة قاسية

بيوتنا كانت المشاكل فيها فاشية

أرحامنا بكت من القطيعة شاكية

مساجدنا كانت من كثيرين مهجورة

جاء رمضان ففتحت أبواب الجنات فاستروحتا منها نسمات

وأغلقت أبواب النيران فدعانا الرجاء إلى الإحسان

ومسح الشيخ دموعه وهو يقول:

هطلت الدموع في السجود والركوع

واطمأنت القلوب بالخشوع

ووصلت الأرحام .. وفرح الأيتام

جاء رمضان فهفت أرواحنا إلى روحه

ورجا كل جريح شفاء جروحه

تعلقت القلوب بربها وتضرعت لبارئها

ورأينا أنفسنا في مرآة رمضان أمة مثلهم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد

وتداعت من حولنا شماتة كل شامت وحقد كل حاقد

ولكن

مضى رمضان وتركنا

بكى الناس والشيخ مازال يقول :

ومضى رمضان وفى قلوبنا نهمة لم نقضها

في قلوبنا فقر لم يسد وشعث لم يلملم وحاجة لم تنقض.. وجراحا ً لم يتم شفاؤها ودعوات مازالت في حاجة إلى صعود؟.

مضى رمضان بعد أن شوق القلوب إلى القرب من علام الغيوب

فتح لنا الأبواب ثم عاد.

متعنا بقرب الرحيم الودود ثم غاب.

وأنا أستعد لأول صلاة بعد رحيل رمضان تخيلت المسجد خاليا ً من رمضان وكل إكراماته ونفحاته

لن أجد الأطفال يلعبون هناك

لن أجد العشرات ينظرون في المصاحف

لن أجد المسجد عامرا بالراكعين الساجدين

لن أسمع الكلمة الطيبة من كل من أقابله

لن أسمع من أعماقي داعي الخير فأجلس بعد الصلاة أستمع الموعظة بل لن تكون هناك موعظة

لن أسمع داعي الثقة واليقين لأنفق في سبيل الله

وسأسمع من جديد ذلك الصوت المشئوم يثقل على الصلاة ويخوفني الفقر

من جديد سأعود أجاهد وسأحتاج أن استحضر لكل عبادة همة وقوة.

وعندها خفق قلبي.

مضى رمضان وتركنا؟؟!!

نعم تركنا.

تركنا للعناء.

فيا ربنا …. رمضان قد مضى فأنت الباقي

أنت رب رمضان وأنت إلهنا

يا ربنا… أرسلت رمضان ليأخذ بأيدينا إليك

وها رمضان قد مضى

فإليك وحدك المشتكي

أنت وحدك العليم بغربتنا وكربتنا

يا ربنا… “كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه.. وولد لا يعذره.. وجار لا يأمنه.. وصاحب لا ينصحه.. وشريك لا ينصفه.. وعدو لا ينام عن معاداته.. ونفس أمارة بالسوء.. ودنيا متزيّنة.. وهوى مرد.. وشهوة غالبة له.. وغضب قاهر.. وشيطان مزين.. وضعف مستول عليه.. فان توليته وجذبته إليك انقهرت له هذه كلها.. وان تخليت عنه ووكلته إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة

نعوذ برحمتك من الهلكة.. ربنا لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك

عزاؤنا أنك لا تغلق بابك.. ولا ترد من لاذ بجنابك فخذ بأيدينا إليك ويسرنا لليسري.

آمين

التعليقات

موضوعات ذات صلة