فهل تدرك النظم الحاكمة ومعارضوهم الحقيقة قبل فوات الأوان ؟؟
بقلم أ/ سيد فرج
بعيداً إلى آخر مدى، عن الصدمة التي أحدثتها التسريبات عن مقتل خاشقجي، والطريق البشعة التي صورتها التسريبات في وسائل الإعلام، عن فريق اغتيال، مكون من خمسة عشر شخصًا، ينتسبون إلى مؤسسات أمنية، يرافقهم متخصص في التشريح، يخنق، ويخدر، ويرفع منشاره، يمزق الجسد أشلاءً وأجزاءً، يعزل المفاصل والعظام، عن غيرها من الأعضاء، بأكياس بلاستيكية متينة، كل ذلك على أنغام الموسيقى الهادئة، فيا لقسوة المجرمين الظالمين، فكل ذلك لم يثبت حتى الآن برواية رسمية نهائية.
وبعيداً عن أثر الجريمة المتوقع، في إطار العلاقات الدولية، وقراءة للسلوك السعودي والتركي مع الحادثة، وأثره على المشهد الدولي والإقليمي، وأثره على السيناريوهات المتوقعة لمآلات الجريمة وتبعاتها، فكل ذلك سنفرد له قراءة إن كان في العمر بقية.
وقفزا على سحابات، وغيوم، ودخان الرعب، والهلع، والتربص، والترقب، والتأمل، والتطلع، الذي أحدثته الجريمة في نفوس كل معارض في المنطقة العربية، فمنهم من تحسس رقبته، ومنهم من تحسس مكان القيد في يديه، ومنهم من قال: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
وبالرغم من كل ذلك اخترت الرواية السعودية الحالية، بالرغم من النقد الدولي (وخاصة الإمريكي والكندي والأوربي والتركي والمنظمات الدولية) لها بسبب افتقارها لأمرين هامين هما: الأول: من الآمر بالقتل؟ والثاني: أين جثة القتيل؟.
وبعيداً عن قرائتي لهذة الرواية أو الروايات المسربة الأخرى، إلا أن الرواية السعودية تؤكد الجزء الأكبر الثابت، والمعترف به، والمتفق عليه في القضية، وهو :
“أن جمال خاشقجي، قد قتل ظلماً وعدواناً، وأنه لم يكن ليقتل أصلاً، فضلاً عن قتله بهذه الطريقة البشعة القميئة، فإنه لم يكن ارهابياً، ولا محرضاً على عنف، ولا على فتنة طائفية، ولا على هدم الدولة، ولا داعياً لاحتراب أهلي، بل كان له رأيه الذي يختلف فيه مع ولي العهد والملك، فكان ناصحاً لنظام الحكم، وأنه مواطن صالح، لذلك قام الملك وولي عهده بتعزية ذويه أمام العالم أجمع، وأن من قتلوه هم مجرمون سوف يحاكمون، وأن مقتله خلق أزمة لحكام بلاده، الملك وولي عهده، بل والأسرة المالكة كاملة، أزمة قد تغير الموازين داخل المملكة، بل داخل منطقة الخليج والمنطقة العربية، بنظمها الأميرية، والملكية والدكتاتورية، بل سوف تحدث تغييرا في بنود معاهدة جنيف الدولية .
وعلى هذه الرواية الرسمية السابقة تتجلى مجموعة من الرسائل، لم يسلط الضوء عليها من الإعلاميين ولا المحللين السياسيين ولا غيرهم، بسبب عدم انتهاء التحقيقات، واستمرار التكهنات، وعدم رؤية المآلات والتبعات.
لكننا أخذنا هذه الرواية محاولين تقديم النصح لبني أوطاننا، ممن لهم قلب وعقلٌ يريد الخير لأوطانهم، سواء في ذلك من كانوا في السلطة أو المعارضة أو مؤيد لأحدهما، وهذه الرسائل نختصرها على النحو التالي :
الرسالة الأولى:
” إن خاشقجي الذي غضبت وانتفضت لمقتله تركيا، والأمم المتحدة، والدول الأوربية الكبرى، وأمريكا وكندا، ولحق بهم دول كأندونسيا، وسيلحق بهم آخرون، كلما كان السلوك في إدارة الأزمة على هذا النحو من الأطراف الرئيسية، لم يكن داعياً لعنف، أو قتل، أو إرهاب، أو احتراب أهلي أو طائفي، ولم يكن بالسبّاب أو اللعان، ولا مكفراً ولا مخوناً، بل كان ناصحاً، صادقاً، عالماً بأثر النهج السلمي والراقي في المعارضة”.
الرسالة الثانية:
” إن أثر القول، أوالنقد، أوالنصح الصادق، والمطابق للواقع، بسلمية، وأدب، ورجولة، أقوى من ألف سب، ولعن، وقذف، وتكفير، وتخوين، بل أقوى من العنف، وأقوى من القتل على الدكتاتوريين، وإلا فلماذا قتلوه ومزقوه وأخفوا جثته؟؟ ولو لم يكن أقوى عليهم لما قتلوه وما سحلوه، ولولا أنه أشد عليهم، لكانوا ناقشوه، وردوا عليه الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، والكلمة بالكلمة، فالذي يناقش الفكر بالفكر، والكلمة بالكلمة، هو فقط طالب الحق، وصاحب الحق، سواء كان في سلطة أو معارضة، ولكن من كانت سلعته القمع، والعنف، والقتل، فهو الضعيف، والغبي، والإمعة، والظالم، سواء كان في السلطة أو المعارضة”.
الرسالة الثالثة:
“عندما تكون بطانة الحكام والمسئولين، من أهل الكبر، والبطش، والقمع، والنفاق، الرافضين للإستماع للنصح، والنقد البناء، والرافضين للحوار، والنقاش، والنهج السلمي، والتوفيقي والاستيعابي، فهؤلاء هم أشد خطراً وضرراً على الحكام والمسئولين من معارضيهم أو خصومهم السياسيين بل هم أخطر عليهم من أعدائهم”.
الرسالة الرابعة :
“كل فعلٍ هين، إلا إراقة الدماء المعصومة، فقد يقتص الله بدم رجل لا يعبأ له القاتل لألف رجل كان يعبء لهم القاتل، ولم يحاسبه الله عليهم ولكن يعاقبه الله بدم هذا الرجل عقاب ألف رجل، سواء كان في السلطة أو المعارضة”.
الرسالة الخامسة:
“أن من يمارس القهر، والجبروت، والظلم، والقمع، والعنف، والقتل على أبناء وطنه، يذله الله على يد أعداء وطنه، سواء كان في السلطة أو المعارضة ”
وختامًا: كنت دائما ما أتعجب باحترام وتقدير لفعل الملك حسين “ملك الأردن” عندما كان يعفو عن المحكوم عليهم بالإعدام من السياسيين ويفرج عنهم، بل يحكى أنه أوصل أحدهم إلى منزله بسيارته الخاصة وبنفسه.
اللهم احفظ مصرنا وبلادنا الإسلامية والعربية واجعل بطانة الحكام فيها بطانة خير وصلح وتوافق حتى تنعم أوطاننا بالعدل والحق والخير .
اللهم من أرادنا ومصرنا بشر فاقصم ظهره وأرنا فيه أية، ومن أرادنا ومصرنا بخير فوفقه وأعلي ذكره وشأنه.