بقلم/ الشيخ علي الديناري
تعيين السجن (طعامه الرسمي ) لايؤكل غالباً اللهم الا إذا كانت ظروف السجن تسمح باجراء بعض التعديلات عليه وهذا نادرجداً.
وكذلك جراية السجن (الخبز الميري) يؤكل للضرورة وفي السجن الضرورة هي الأصل.
كنا كمجموعة معتقلين قد تعارفنا على نظام للمطبخ لتحسين الأكل ثم إحداث تغيير يجدد علينا كل أسبوع فمنَّ الله علينا بموافقة المأمور ـ بعد جهد والحاح ـ بشراء وجبة من خارج السجن كل يوم جمعة وكان أمام السجن بائع للسمك المشوي تهب علينا رائحته فاتفقنا أن نجدد ريقنا بسمكة لكل واحد منا على قدر امكاناتنا المادية فأحدث هذ ا الخبر نوعا من السعادة بيننا جميعا والشعور بنعمة الله وتخفيفه علينا.
وفي يوم الجمعة في شتاء سنة 1993جلسنا لنأكل سمكا لأول مرة في اعتقالنا تقريبا حيث كان مأمور السجن السابق لايسمح بدخوله في الزيارات باعتباره ترفيها ممنوعا ليس من حق المسجون التمتع به وكذلك كثير من الأطعمة .
وتنوعت تعليقات الاخوة أثناء تناول الطعام جماعياً في فناء عنبر التأديب واعتبر بعض الاخوة هذه الجلسة الجماعية التي غالباً مانُحرم منها نعمة من الله فيكفي أننا نجلس معاً… بينما علق آخرون ببعض التعليقات الطريفة.
قبل أن نقوم قام أحد الاخوة فقد فرغ من طعامه فقال بصوت نسمعه جميعا :تعرف يافلان هذه الأكلة كان ينقصها ماذا ؟
ينقصها سلطة ..ياسلام لو كان معها بعض السلاطة كانت تبقى ماية ماية
غاظني هذا التعليق لأنه نغص علينا الأكلة وذكرنا بالمفقود فأنسانا حلاوة الموجود فحدث ماحذر منه السلف الصالح جزاهم الله عنا خيراً حيث قالوا(لاتتطلع الى المفقود فيُنسيك حلاوة الموجود) وقالوا: من قنع طاب عيشه
فبدد هذا الأخ بهذه الكلمة شعورنا بالنعمة وبالتالي عبادة الشكر التي تكفَّل الله مقابلها بالمزيد (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَكُم) فكان المنتظَر أن نتوجه الى الله بالشكر الجماعي والتعبير فعلا عما كنا نشعر به جميعا قبل سماع هذه الكلمة .
كظمت غيظي ثم اتفقنا أننا في الجمعة القادمة نشتري مع السمك هذه السلاطة حتى تكتمل الأكلة ، ثم لعلنا لانسمع هذه الكلمة من أحد.
وقد كان وجلسنا في الجمعة التالية نأكل السمك مع السلاطة الخضراء ماهذا الهناء الذي نحن فيه؟ وهل يوجد إخوة على مستوى السجون يأكلون اليوم كما نأكل؟ بالتأكيد لا .. فاليوم هو الجمعة يوم غلق فلا فسحة فيه وتعيين الغداء في الجدول الدوري الاسبوعي معروف الأرز المسلوق بحصاه مع الفول المسلوق بسوسه بدلا عن العدس بترابه . فنحن هنا الحمد لله
لكن وقف نفس الأخ وقال :تعرف يافلان هذه الأكلة كان ينقصها ماذا؟
كانت تنقصها كذا . فغاظني ذلك جدا فقد تجدد نفس المعنى الذي يشعرنا بالحرمان بينما في الحقيقة نحن في نعمة، ولكني كظمت غيظي واتفقنا أن نكمل المرة القادمة بهذا النوع المفقود لعلنا لانسمع هذه العبارة التي تنسينا شكر النعمة بينما قال العلماء :شكر النعمة هو الأدب مع الله ومن ترك الأدب يؤدَّب. فنسيان الشكر يخوف المؤمن من تأديب الله له بسلب النعمة أو من الاستدراج بالنعمة . عافانا الله .
في الجمعة التالية جلسنا وقد اكتملت السفرة ولم يبق هناك مفقود يتمناه أحد والحمد لله ولعل كل من رأى هذا السمك يدخل السجن غيرنا يستغرب: سمك مشوي يدخل السجن؟
ولكن للاسف إذا بنفس الأخ قد قام فقال: تعرف يافلان هذه الأكلة ..
وهنا وقفت من شدة الغيظ وبينما هو يكمل بقوله: كان ينقصها ..إذ اشتد غيظي فانفلتُّ غاضبا:
ينقصها الحمد لله يا أخي …
أنت لاتقول الحمد لله أبداً؟
أنت كل مرة تنغص علينا الأكلة
حرام عليك
أتركنا نهنأ يا أخي .