إنم
إنَّ حالَ الداعية أبلغُ من قوله في التعبير عن دعوته..
فعملٌ صالحٌ من الداعية يقتدي به الناس أبلغ من كثير من كلامه وتعليمه,
وكم من كلام منظوم جميل كالدُّرِ المنثور, رائع العرض يستمتع به السامع ثم هو لا يجاوز أذُنه!
ولا يغتم منه الداعية إلا ثناءً على فصاحته وبلاغته وعلمه !!
أما العمل من الداعية فهو يحِمل الناس على الإقتداء به وإن لم يتكلم.. ولذلك قيل “فِعْلُ رجُلٍ في ألف رجلٍ أبلغُ من قولِ ألفِ رجلٍ في رَجُل”.
وقد فطِنَتُ لذلك المعنى أم سلمة رضي الله عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم ففي يوم الحديبية حين تمَّ إبرام صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش.. أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن ينحَروا هديَهم ويحلِقوا رؤسهم .. ولأن الصحابة كانوا متأثرين بالضيم الذي وقع على المسلمين في شروط الصلح, ومنها أنهم يرجعون عن العمرة في هذا العام ثم يعتمرون في العام التالي. لذلك لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم تأخروا أو تباطأوا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على زوجته أم سلمة وقد أصابه الغَمُّ لعدم استجابة أصحابه لأمره ؛فقال لها: “هلك الناس ” وأخبرها بالخبر فقالت له أم سلمة: قُمْ يا رسول الله فانحر واحلق فإنهم إذا رأوك فعلت ذلك فعلوه..ففعل النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه أصحابه تسابقوا إلى النحر والحلق حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً من الغم..فسُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وها هو ذا الحسن البصري أحد عظماء التابعين ..طَلَب منه الناس أن يتحدث عن عتق الرقاب يعني عتق العبيد والإماء ليحُثَّ الناس على أن يعتقوا فأبطأ عليهم زماناً ثم تحدث فيما طلبوه.. فسألوه عن تأخره فقال: إني لم أكُن أملك ما أعتق به رقبة فانتظرتُ حتى إذا قدرتُ أعتقت رقبة ثم وعظت الناس في عتق الرقاب.
أخي الداعية هكذا فافعل وهكذا فكُن..كن قدوةً في ما تدعو إليه يكفِك فعلك كثيراً من قولك, ويوفِر عليك كثيراً من جهدك ووقتك ثم وهو الأهم.. تقرُّ عينك وأنت ترى الناس يُقبِلون على دعوة الله فتستشعر بفتح الله عليك وتوفيقه لك وتسعد بأن جعلك الله أسوة في الخير.
وفقنا الله وإياك لما يرضيه.. وجعلنا وإياك هُداةً مهديين.. اللهم آمين.