د أحمد زكريا
لاحظ المتابعون بدقة للمشهد المصري حدوث انقسام وشرخ ظاهري وباطني في جدار النسيج المصري،وهذا التمايز الحاد أظن أنه يحدث لأول مرة في تاريخ مصر المعاصر،لذا لابد من عمل رصد محدد لبيان الحالة المتأزمة للجسد المصري لنستطيع التشخيص الدقيق ومن ثم تصور العلاج الناجع. فبعد 30 يونيو كشر الجميع عن أنيابه،وتباهى بإظهار كل ما كان يخفيه زمنا طويلا حريصا كل الحرص على أن يقضي على خصومه ليس بتسجيل أكبر عدد من النقاط ولكن وللأسف بالضربة القاضية،ظنا منه أن يمكن له الانفراد وحده بالوطن وعمل إبادة جماعية للمكون الآخر من المجتمع،لذا خرجت تصريحات هائلة تنبئ عن ذلك،ومنها ما خرج مبكرا عن حلمي النمنم بأن مصر بلد علماني ،ولابد من الخروج من الخدعة القائلة بأن مصر بلد إسلامي بالفطرة،وهذا القول الصارخ أسس لمجموعة هائلة من التنظير والأفعال التي رأيناها بعد ذلك حتى وصل الأمر إلى أن تجرأ بعضهم على الذات العلية لله سبحانه وتعالى في مجتمع معظم سكانه من المسلمين والباقي أهل كتاب وليسوا ملحدين،فيقول أحد النقاد الرياضيين تعقيبا على فوز الأهلي المستمر على الزمالك – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – :أن الله أهلاوي!!!!!! ويسمع الجميع ولا تجد نقدا حقيقيا وردة فعل واضحة على هذا العبث والاستهانة بكل مقدس. بل وصل الأمر إلى منتهاه فوجدنا حفلا لزواج الشواذ في بلد الأزهر بلد العلم والإيمان بمباركة قطاع من شعب مصر المسلمة!! وطالب بعض أبناء الفكرة العلمانية بتقنين بيوت الدعارة!! وما بروز شخصية مشوهة كميزو هذا الذي تجرأ على صحيح البخاري وعلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،ووضع الأزهر في ركن الزاوية إلا ثمرة فاسدة لهذه العلمانية المتوحشة،التي تضيق ذرعا بالآخر وتمارس ليل نهار في إعلامها حملات من الكراهية المسمومة ضد أبناء الوطن مزايدة على استقرار هذا الوطن الآمن لتحقيق مصالحها النفعية. وبلغ السيل الزبا بما كشفه وكيل المخابرات السابق عن تواطؤ الجهاز على الرئيس الشرعي المنتخب وعدم إمداده بأي معلومة صحيحة ،بل والمشاركة في الانقلاب عليه ،لا لشيء إلا نفرة من الفكرة الإسلامية كمنهج حياة. بل اكتشفنا أن الحال في مصر أشد سوء وتأزما من النظام الأتاتوركي في تركيا باعتبار الجيش حاميا لعلمنة الدولة ،فوجدنا المؤسسات السيادية في مصر على أتم الاستعداد للتضحية بالوطن في سبيل ألا يصل إسلامي إلى سدة الحكم،وهذا الكلام من كيسهم هم،وقد بدت خيوط التآمر من ألسنتهم وأفعالهم. هذا غيض من فيض مما أفرزته النخبة العلمانية بعد انقلاب 3/7،وهي علامات كاشفة فقط دون حصر وإلا لطال المقام. على الجانب الآخر وجدنا تطرفا وتكفيرا وجموحا في بعض المنتسبين للتيار الإسلامي وصل إلى حد تكفير كل الوطن جيشا وشرطة ومؤسسات،بل وأبناء مصر عامة. وهذا يؤذن بشر مستطير تستباح فيه الحرمات والأعراض والأموال وتتحول مصر إلى مشهد متكرر من العراق أو سوريا،وفي هذا مزايدة على الوطن نفسه وضياع له. وعلى النقيض من هؤلاء خرجت علينا طائفة من المرجئة ويمثلهم المداخلة والرسلانية،الذين يرون في كل حاكم مهما كان ظالما أو فاسقا أو كافرا وليا لأمرهم ،وإن ضرب ظهرك واغتصب عرضك ومالك،وللأسف هذا مع كل الطواغيت لكن تغير الحكم مع الدكتور مرسي وأجازوا الخروج عليه!!! بل وصل الأمر بكبيرهم في مصر أن قام بخطبة جمعة _ وهي موجودة على موقع قناة البصير على اليوتيوب لمن أراد أن يرجع إليها_ وعنوانها صادم ( من أهان الحاكم أهانه الله)،والسؤال:أي حاكم هذا؟ وكيف تخرج هذه الكلمات من فم من يدعي العلم الشرعي ؟ لذلك فرح دعاة العلمانية بهؤلاء كثيرا لأنهم ثبتوا فكرتهم،وصوروا الحكام الظلمة كأنهم ظل الله في الأرض ،وصنعوا من الطواغيت أنصاف آلهة. وسلمت جميع طوائف الكفر والابتداع من ألسنتهم،لكنهم أصبحوا نارا على أصحاب الفكرة الإسلامية التي ترى الإسلام دينا ودولة،عقيدة وشريعة،تراه منهاج حياة. بل لم تهيجهم دماء المسلمين المراقة،وآلاف الشباب المعتقلين،وشريعة الله المعطلة،والحرمات التي تنتهك،لم تتسع حدقاتهم إلا لعيوب التيار الإسلامي،ومحاولة شيطنته والقضاء عليه! وكل ذلك مزايدة على الوطن غير عابئين بإحراقه وإشعال آتون الفتن بين جنباته. أمام هذا الانهيار الهائل في البنية التحية لمكونات النسيج الوطني لابد من قيام العقلاء بخطة رشد يحفظون فيها هذا الوطن قبل أن تغرق السفينة بالجميع ،وساعتها لات حين مندم!!