بقلم / علاء العريني
شبابنا هيا إلى المعالى ..
إن علو الهمة في طلب الكمال وقوة العزيمة في تحقيق الأهداف من أهم أخلاق المؤمن الصادق بل العاقل كما يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: من أعمل فكره الصافي دله على طلب أشرف المقامات ونهاه عن الرضا بالنقص في كل حال، وقد قال أبو الطيب المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض.
غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي له أن يطلب الممكن، والسيرة الجميلة عند الحكماء خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم والعمل) صيد الخاطر، ابن الجوزي، (173-174).
فالشاب المؤمن ينبغي أن يكون صاحب همة عالية، وغايات نبيلة، وأهداف عظيمة تمكنه من تحقيق التفوق والنجاح في الدنيا إرضاءً لله تعالى وإعمار في الأرض كما أمر الله تعالى، وهذا يتطلب همة عالية لا ترضى بالدون لأن من يرمي بقوسه نحو القمر فحتى إذا لم يصبه سيقع سهمه بين النجوم
لقد سأل أبو جعفر المنصور يومًا جلسائه: “أتدرون من هو صقر قريش؟” قالوا: أنت، قال: لا، فعددوا له أسماء مثل معاوية وعبد الملك بن مروان، قال: لا…بل عبد الرحمن بن معاوية.دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر، ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصَّر الأمصار، وجند الأجناد وأقام ملكًا بعد انقطاع بحسن تدبيره، وعظيم تفكيره..
فلله در هذا العملاق، من صقر محلق في سماء الهمة، يدخل الأندلس وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، مطارد من قبل العباسيين في المشرق، ومطارد من قبل الخوارج في المغرب، كل يريد أن يقتله، وهو وحيد فريد، ليس له إلا عون الله وتوفيقه، ثم شدة بأس، وعزيمة نفس، وتألق روح لا تقف أمامها الصعاب، ولا تفت في عضدها الظروف، ومع كل ذلك ينجح بفضل الله تعالى في الوصول إلى الأندلس وتكوين جيش مقاتل، يؤسس به أركان الخلافة الأموية الأندلسية، حتى دخل “عبد الرحمن” قرطبة فصلَّى بالناس، وخطب فيهم، فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية في الأندلس، وبويع له بالخلافة في 10 من ذي الحجة 138هـ – 18 من مايو 756م؛ ليصبح أول أموي يدخل الأندلس حاكمًا، ويطلق عليه ذلك اللقب الذي عُرف به “عبد الرحمن الداخل”، ومؤسس تلك الدولة الفتية التي أصبحت حضارتها منبعًا لحضارة أوروبا الحديثة، وظلت منارًا للعلم والمدنية عبر قرون طويلة من الزمان.
ونحن هنا ندعوك أيها الحبيب الغالي أن تساءل نفسك، تري أي الأمرين أسهل، ما فعله صقر قريش من إقامة دولة كاملة، في ظل تلك الظروف الصعبة التي قد تبدو مستحيلة، من ضعف في الإمكانيات، وقلة في الموارد، ومطاردة شرسة من أقوي دولة على وجه الأرض في ذلك الزمان، وكل هذا وهو مطارد وحيد فريد، ليس معه إلا توفيق ربه، ثم عزم لا يلين، وإرادة لا تضعف، وهمة لا تنقطع، ومن ثم لا يعرف الكلل أو الملل أو الكسل، أهذا كله أصعب أم ظروفك التي تتعلل بها، وتستخدمها كشماعة لتعليق تكاسلك وضعف إرادتك؟
حبيبي الغالي ماذا تنتظر؟!!
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا…(مفتاح دار السعادة، (2/215)
صدق من قال:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ..
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابًا ..
ومن قال:
فقل للمرجى معالى الأمور بغير اجتهاد رجوت المحال ..
وقد سُئل الإمام أحمد متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: عند أول قدم في الجنة طبقات الحنابلة، ابن أبي يعلى، (1/115).
اللهم ارزقنا الإيمان والإخلاص في القول والعمل ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، اللهم آمين وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
رسالة إلى شباب الأمة الإسلامية …

التعليقات