بقلم/علي الديناري
شرع الله صيام رمضان بعد الصلاة بخمس سنوات تقريبا أي في السنة الثانية من الهجرة في شهر شعبان فكيف كانت أحوال المسلمين وقتها؟
كانوا حديثي عهد بالهجرة ومفارقة الديار والعشيرة والأموال في سبيل الله ولم يَمْضِ على انتقالهم الى المجتمع الجديد سوى ستة عشر شهراً تقريباً.
ـ كانت آية الإذن بالجهاد قد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق إلى المدينة قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِير) وبالتالي فسيبدأون الجهاد ويعانون مشقته في أي وقت
وفي المدينة ظهرت مشكلة جديدة على المسلمين وهي مشكلة النفاق ففي كانت الشخصيات واضحة والتعامل معها واضحاً إما مسلم وإما كافر أما في المدينة فقد وجدوا أناسا يصلون معهم ويتشبهون بهم فيطمئنون إليهم ولكن إذا بهم يطعنون في رسولهم الحبيب الذي يثقون فيه ويعظمونه ولم يعتادوا أن يعيبه مسلمٌ موحد يشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان هؤلاء المنافقون من النوعية التي توجد في كل زمان وهم الموصوفون بالذكاء واستشراف المستقبل لمعرف توجه الريح ثم الميل معها والتشبه بأهلها ظاهرا
كما أنه في شهر شعبان حدث تحويل القبلة وحدث ما نبأ به قول الله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)
فكان تحويل القبلة باباً جديداً شنَّ منه أعداء الاسلام حرباً إعلاميةً فكريةً وعقائديةً شرسة ورأوها فرصة ونقطة ضعف لدى المسلمين ونقطة قوة وانطلاق لهم.. ظنوا ذلك
ـ فأما كفار العرب فقالوا قد تحول إلى قبلتنا فيوشك أن يعود إلى ديننا
أي هاهو سيعود الى ديننا تدريجياً واحدةً بعد واحدة
ـ وأما اليهود فقالوا: إذا كانت صلاتكم الأولى صحيحة فالأخيرة باطلة والعكس؟
لقد اعتبر أعداء الإسلام تحويل القبلة نقطة قوة لهم وانطلاقة يشنون منها حملتهم الجديدة في التشكيك والطعن وإثارة الشبهات كما يحدث كثيراً في كل زمان
وأما بعض المسلمين فقالوا: فما بال صلاة إخواننا الذين ماتوا ولم يصلوا إلى الكعبة ؟فأنزل الله تعالى يطمئنهم(وماكان الله ليضيع إيمانكم)أي صلاتكم الى بيت المقدس
وكانت هذه الحملة الشديدة مؤثرة على بعض ضعاف المسلمين فارتدوا عن دينهم
ورغم ذلك التشكيك والطعن في الاسلام ورموزه وثوابته إلا أن المسلمين عامة قد ازدادوا إيمانا فقد جاء رجل الى أهل مسجد فوجدهم يصلون فوقف على باب المسجد وقال: لقد أنزِل على رسول الله قرآن يأمره بتحويل القبلة الى الكعبة فتحولوا وهم في الصلاة
إذاً في هذه الأحوال وفي هذا الجو وفي ظل استإساد الباطل وانتفاشه واستعلائه وغطرسته واعتقاده أن زمام الحرب الفكرية بيده شرع الله الصيام وصام المسلمون لأول مرة.
إذاً شرع الله تعالى الصيام في ظروفٍ مشابهة للظروف التي شرعت فيها الصلاة
فعند تشريع الصلاة كان التعذيب والإيذاء للمسلمين قد تواصل بلا هوادة للعام العاشر على التوالي ثم توفي في هذا العام سند النبي صلى الله عليه وسلم وهو عمه أبو طالب كما توفيت زوجته البارة المعينة له على دعوته خديجة رضي الله عنها أي أن الباطل كان منتفشا يظن أنه قد ملك زمام الأمور فهنا شُرعت الصلاة لتكون قوة للمؤمنين وزادا روحيا لهم يمدهم باليقين والثقة والرجاء والصبر
إن هذه الظروف تتجدد وتتشابه في كثير من الأحوال على مر السنين واختلاف الأماكن لأن الباطل موجود لاينقطع وصراعه مع الحق دائم ولذا فلا يستغني المسلمون أبدا عن هذه القوة التي يستمدونها من الصلاة والصيام
قوة الارادة وتحريرها من كل القيود النفسية والقلبية
قوة العزيمة والإصرار وصبر والتحمل والتضحية والصدق والإخلاص
إن هذ القوى هي أساس القوة المادية فمهما بلغت القوة المادية بدون قوة عقائدية إيمانية معنوية فلا قيمة لهذه القوة المادية الفارغة من العقيدة
وقد كان بالفعل فما هي إلا أيام من صيام المسلمين حتى وقعت غزوة بدر في السابع عشر من أول رمضان صاموه
فكان هذا اليوم يوم الفرقان بين الحق والباطل لأن الصوم كان فرقانا في النفوس وتمحيصا للقلوب وتحريرا لها من الشهوات والملذات التي تضعف الانسان
إن وظيفة رمضان في الأمة الاسلامية هي تحقيق التقوى في قلوب أفرادها وتحقيق التقوى لدى الأفراد يزود الأمة بالقوة المعنوية اللازمة للوصول الى القوة المادية
وإذا أردنا أن ندرك وظيفة رمضان في الأمة فنتصور الأمة الاسلامية بدون رمضان