القائمة إغلاق

الدعوة (ميثاق العمل الإسلامي )(1)

 

ونزل الأمر من السماء للنبي صلى الله عليه وسلم بترك الفراش والدثار، {يا أيها المدثر قم فأنذر} [المدثر: 1 – 2]، وامتثل صلى اله عليه وسلم وقام يدعو إلى ربه سرا ثلاث سنوات إلى أن نزل قول الرحمن جل وعلا: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} [الحجر: 94]، فصعد المصطفى صلى الله عليه وسلم جبل الصفا ونادى في قبائل مكة: (إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) [رواه البخاري].

وفي مدار ثلاثة وعشرون عاما ظلت الدعوة محور حياة نبينا صلى الله عليه وسلم وشغله الشاغل إلى أن توفاه ربه.

فهاهو يدعو أهل مكة أحرارهم وعبيدهم، كبيرهم وصغيرهم، ويدعو من يأتي إلى مكة حاجا أو زائرا، ويمضي بنفسه إلى الطائف يدعو ثقيفا، وهاهو يرسل مصعبا إلى المدينة بعد بيعة العقبة يدعو أهلها إلى الله تعالى، وهاهو صلى الله عليه وسلم يهاجر بنفسه إلى المدينة وبها يتخذ مسجده ويعتلي منبره، {شاهدا ومبشرا وداعيا إلى الله بإذنه} [الأحزاب: 45 – 46]، ويغشى مجالس الأنصار يدعو ويعلم، يهذب ويربي ويرسل دعاته يجوبون جزيرة العرب، فهذا معاذ بن جبل في طريقه إلى اليمن ليدعو أهل الكتاب، وهذا عروة بن الزبير ماض إلى ثقيف يدعو قومه، وهذا علاء بن الحضرمي ذاهب إلى البحرين، بل وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بنفسه ممسكا بعضادتي باب الكعبة يدعو أهل مكة بعد الفتح، ثم يعود إلى المدينة وهناك تأتيه وفود العرب في عام سمي عام الوفود فيدعوها إلى الإسلام فتسلم وتعود تدعوا أقوامها.

وتدخل جزيرة العرب في الإسلام، ويرسل صلى الله عليه وسلم رسله بكتبه إلى الملوك من حول الجزيرة العربية: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم؛ سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين) [رواه البخاري ومسلم].

و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران: 64].

وفي حجة الوداع تقف الألوف المؤلفة من المسلمين تنصت لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) [رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجة].

(تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله…) [رواه أبو داوود وأحمد وابن ماجة].

وفي مرض الوفاة يخرج صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه ويجلس على منبره: (… وإني والله ما أخاف أن تشركوا من بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها) [رواه البخاري ومسلم].

وفي الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر من الهجرة وبينما الناس في المسجد يصلون خلف أبي بكر رضي الله عنه؛ إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع الستر المضروب على حجرة عائشة ويرمق أمته بنظرة الوداع التي يطمئن بها على أمته ويرى بعينه ثمرة دعوته ثم يعود إلى فراشه ليلقى ربه.

مضى رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى ربه بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وإنا لنشهد على ذلك وتشهد الملايين من الناس من قبلنا ومن بعدنا، وبقي علينا أن نحفظ الأمانة، أن نعيش كما كان صلى الله عليه وسلم يحيا، أن نظل ما بقينا دعاة إلى الله تعالى، أن يكون غدونا ورواحنا صباحنا ومساؤنا، وكلامنا وعملنا دعوة إلى الله تعالى، وإن أوذينا، وإن ضيق علينا، وإن قوتلنا، فلا يمنعنا ذلك ويصدنا كما لم يمنع نبينا ولم يحجزه عن الدعوة لدينه ولربه.

التعليقات

موضوعات ذات صلة