القائمة إغلاق

الحركة الإسلامية والوسطية 1

الحركة الإسلامية والوسطية 1

بقلم الشيخ : محمد مصطفى المقرئ (أبي إيثار( رحمه الله

أخصّ خصائص هذا الدين وسطيّته، وهي من الرسوخ والتمكّن فيه حتّى كأنّه هي أو كأنّها هو، بل هي كذلك بالفعل.. منصبغةٌ به، وهو منصبغٌ بها.. {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} [البقرة: 138].
وأن يكون الإسلام كذلك.. ما أجدره، فهو الدين الخاتم الذي يكمل للبشرية فيه نضجها، والذي تستوي به على سوقها.. {يُعجب الزرّاعَ ليغيظ بهم الكفّار} [الفتح: 29].
ولذلك استحقّت هذه الأمّة أن تُستَشْهَدَ على كلّ الأمم {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً} [البقرة: 143].
وهذه الوسطيّة: وسطيّة في المنهج، ووسطيّة في التطبيق. أعني أنّها وسطيّة في الشرع المُحكَمِ، ووسطيّة في القدر المكنون، فهذه الأمّة – وإن قارفت ما قارفه من قبلها – إلا أنّها لا تنحرف انحرافهم، ولا تنقطع انقطاعهم، وإلا انقطع ما أُقيمت فيه من الشهادة ومن القوامة على من سواها.
من أجل ذلك كان خيرها مؤبّداً.. «الخير فيّ وفي أمّتي إلى يوم القيامة»، وقيوميّتها على الحقّ في ديمومة واستمراريّة لا انقطاع لها.. «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خالفهم أو خذلهم حتّى يأتي أمر الله وهم كذلك» [رواه مسلم في صحيحه، وللحديث روايات عدّة قد بلغت حدّ التواتر].
وما لها لا تكون كذلك، وقد كُلِّفَت – شرعاً – أن ترتّل في كلّ يوم وليلة {إهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين} [الفاتحة: 6 – 7] ؟
إنّها تدعو بهذا الدعاء الراجي الملحّ إشفاقاً منها – على نفسها – أن تعلم بلا عمل (كما فعلت اليهود)، أو أن تعمل بلا علم (كما صنع النصارى).
وشتّان بين دعاء ودعوى.. فدعاء أمّتنا؛ يعكس فقرها وفاقتها ومسيس حاجتها إلى خالقها، فهي تُدرك أنّها ما تُوفَّق إلى ما كُلِّفَت به من العبوديّة لله إلا بعونٍ منه سبحانه، لذلك قدّمت بين يدي دعائها: {إيّاك نعبد وإيّاكَ نستعين} [الفاتحة: 5].
أمّا دعوى غيرها من الأمم؛ فهي تألُّهٌ على الله، واغترارٌ وعجب وإدلاء عليه، كلامٌ مرسلٌ لا أصل له ولا ساق، يتعالون به على غيرهم وهم من مقتضى دعواهم خواء {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحبّاؤه قل فلِمَ يُعذِّبُكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممّن خلق} [المائدة: 18]، {وقالوا لن يدخل الجنّة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111].
بل الحقّ ما شهدوا به على أنفسهم – {وشهد شاهد من أهلها} – : {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب} [البقرة: 113].
إنّ ديناً يلتقي مع الفطرة الإنسانيّة، ويتواصل معها في نسيج مؤتلف محكم.. لحقيق به أن يحوز من التوازن والتكامل والشمول، ما يجعله الأوسط الأعدل الأكمل.. {ومن أحسن ديناً ممّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً} [النساء: 125].

التعليقات

موضوعات ذات صلة