القائمة إغلاق

يا أهل المحنة… أطفئوا السراج

بقلم الأستاذ سامي سليمان

بهذه الكلمات صرخ الشيخ فينا منبها ومحذرا ومربيا ومعلما، ثم راح يسرد لنا قصة عباد بن بشر وعمار بن ياسر فالأول من المهاجرين والثاني من الأنصار،

فبينما الاثنان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع وبعد أن أتعبهم السير وقد كانوا يلفون الخرق على أرجلهم والرقاع من شدة تعبهم فلم يكونوا يجدون ما يلبسونه في أرجلهم وبعد أن دخل عليهم الليل إذ بالنبي صلى الله عليه وسلم ينادي: من يحرسنا الليلة؟

فقام عباد وقام عمار وقالا: أنا يا رسول الله.

وهنا وقف عمار وقال لأخيه عباد أي الليل تحب أن أكفيكه أوله أم أخره؟

ثم نام عباد وقام عمار يصلي وافتتح صلاته بسورة من القرآن وإذ بأحد المشركين يأتيه فيرميه بسهم فيقع في عضده فينزعه ويكمل صلاته، ثم يرميه بسهم آخر فينزعه أيضا ويكمل صلاته فلما اشتد عليه الرمي ركع ثم اعتدل ثم سجد ومد يديه ليوقظ أخاه عباد، فلما رأى عباد الدماء تسيل من أخيه عمار قال: ويحك هلا أيقظتني أول ما رميت؟!!

قال عمار: كنت أقرأ سورة من كتاب الله ولولا خوفي على الثغر ما أيقظتك حتى أكملها أو تصعد روحي.

هنا انتهت القصة لكن الدروس فيها تعلمنا وتربينا وتصرخ فينا قائلة:

الدرس الأول التسابق في الخيرات:

فعباد وعمار كان باستطاعتهما أن ينتظرا حتى يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الجيش غيرهما لكنه السباق والمبادرة لفعل الخير فلم يرض عمار ولا عباد أن يكونا في الصف ولا يعمل حتى تلقى إليه المهمات ويكلف بالأعمال بل بادرا إلى الحراسة بكل نشاط وإقبال

الدرس الثاني يا له من إيثار:

الكل كانوا في سفر وجهاد وأصابهم من التعب والنصب ما أصابهم ومع هذا السفر والجهاد والسير الطويل الشاق دخل الليل والكل يريد أن ينام ويرتاح لكن عمار بن ياسر يبادر عباد بن بشر بالسؤال: أي الليل تحب أن أكفيكه؟

لم يأخذ متاعه وينام تحت شجره ويقول: يا عباد أيقظني عندما تتعب؟

بل خيره بين أول الليل وأخره أيهما تحب أن أكفيكه؟

الإيثار لا يكون فقط بالطعام والشراب بل يكون بما يحتاجه الشخص والجماعة وذلك أفضل عند الله فليس من المعقول أن يحتاج الشخص إلى سكن يأويه ثم أذهب إليه وأعرض عليه طعاما!!

الدرس الثالث: علو الهمة

كان بإمكان عمار أن يكتفي بفضل الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيل الله وقيامه بالرباط والحراسة في سبيل الله، كان بإمكانه أن يقول لقد اكتفيت اليوم من الخيرات والطاعات لكن عمار لم يفعل بل استغل هدوء الليل ورقدة القوم وغيابه عن أعين الجميع وقام يصلي بسورة من القرآن يتلوها ويرددها ويفكر فيها ليضيف إلى حسناته حسنات جديدة

الدرس الرابع: الخوف على الجماعة

عندما قام عمار يصلي بين يدي الله يردد القرآن ويتلذذ بتلاوته وبترديد آياته أتاه سهم من أحد المشركين فنزعه وأكمل صلاته، لكن لما اشتد عليه الرمي سجد ومد يديه وأيقظ عباد

عباد لما شاهده صرخ فيه معاتبا هلا أيقظتني أول ما رميت؟

وكان جواب عمار: كنت أقرأ سورة من كتاب الله ولولا خوفي على الثغر ما قطعتها حتى تذهب روحي

فعمار لم يقدم حظ نفسه وينسى الواجب المكلف به، والأمانة التي تحملها،

وإنما نسي حظ نفسه خوفا على الثغر وأن يؤتى المسلمين من قبله لذلك ركع ثم اعتدل ثم سجد ومد يديه ليوقظ أخاه عباد بن بشر

ختاما

رحم الله عمار وكيف لا وهو أحد الأنصار الذين مدحهم الله في كتابه فقال: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)

كيف لا وهم الذين قال الرسول عنهم عند موته (أوصيكم بالأنصار خيرا)

كيف لا وهم الذين قال لهم الرسول يا معشر الأنصار (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)

رحم الله من كان صنيعه مثل عمار في وقت الشدة والمحنة، ثم بعد زوالها وانفتاح الدنيا وجد الأثرة من إخوانه، لكن الموعود يهون كل خطب ومكروب فالصبر حتى لقاء الحبيب صلى الله عليه وسلم على الحوض.

كتبه العبد الفقير إلى ربه

أبو اليسر سامي سليمان

التعليقات

موضوعات ذات صلة