لما أدخلوا تدريس مادة الشريعة الاسلامية إلي كلية الحقوق انتدبوا لتدريسها أزهرية كان منهم العلامة الشيخ أبو زهرة رحمه الله – والذي أدرك أن الشريعة تفتقد إلي كتابات في النظريات الكلية في القانون علي غرار الكتابات المدرسة في القانون الوضعي فكتب كتابه الأول في أصول الفقه ثم كتب في أكثر النظريات القانونية مثل نظرية الغقد ونظرية الحق ونظرية الجريمة ونظرية العقوبة وغيرها من النظريات كتابات مبدعة مبتكرة لم يسبق فيها وكتب من بعده آخرون كانوا عيالا علي كتبه ، وتستطيع وأنت تقرأ تلك الكتب أن تدرك أنه لم يكن مجرد عالم حفظ الحواشي والمتون واكتفي بها وإنما كان مدركا لكليات الشريعة ومقاصدها يجمع في عقله أطرافها وأعماقها والروابط التي تجمع بين أجزائها ,, وكان العلامة الغزالي صاحبا ورفيقا للشيخ أبي زهرة لايكاد يفارقه حتي توفاه الله وكانا من نفس المدرسة المبدعة في العلم .. فقد كانت إحاطته بمقاصد الشريعة وكلياتها صاحبة له في كل مايكتب ولايقف علي أطراف النصوص فيتكلم فيها دون يربطها بما يناسبها من النصوص الأخري والمصالح أو المفاسد المرتبطة بها وكثيرا مايعرض عن النص المتداول لأنه وجد في النصوص الأخري ماهو أوثق منه وأولي بالاتباع مثل استنكاره لظاهر حديث : لحم البقر داء” والذي صححه البعض لأن القرآن امتن علي المؤمنين في ست آيات من القرآن بأن رزقهم وسخر لهم البقر واستنكرظاهر حديث إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه” لأن القرآن أكد أنه لاتزر وازرة وزر أخري وان الانسان ليس له إلا ماسعي وهكذا
وقد قادت تلك العقلية الخلاقة المتحررة المدركة لكليات الشريعة الجامعة لأطرافها الشيخ ليقتحم أبوابا من العلم لم يسبق إليها او يتناولها من جوانب يظهر فيها عقليته الشمولية وواسع أدراكه لكليات الشريعة فكتب في المشكلة الاقتصادية ونظرة الاسلام لها وكتب في علل الأصوليين كتابه المتفرد السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث وكتب عن الأقليات في المجتمع المسلم وكتب عن الاسلام والاشتركية وكتب في التنمية البشرية كتابه المبدع جدد حياتك” وكنب عن القومية العربية وكثرت كتاباته في قضية المرأة ليزيح عن هذه القضية كثيرا من الخزعبلات التي أحاطت بها وغيرها وتشعر وأن تقرأ في هذه الكتب أن علوم الشريعة حاضرة في عقله وهو يمزجها ويخرج منها الخوافي التي غابت عن كثير ممن وقف علي حافة بعض النصوص وظواهرها ولم يتعمق فيها
لقد عاش الشيخ مع القرآن والسنة وسيرة النبي صلي الله عليه وسلم وصحبه الكرام وغاص في معانيها متفردا في أكثر من ستين كتابا ومئات المقالات والخطب والمحاضرات فكان نبراسا مضيئا للأجيال من بعده.
وقفات على أعتاب الشيخ الغزالي (2) – بقلم: فضيلة الشيخ أسامة حافظ

التعليقات