وكان شيخنا الدكتور عمر-رحمه الله- يجري بيننا مسابقات في تفسير القرآن فيطلب منا أن نقرأ تفسير السورة الفلانية من كتب التفسير المتوفرة ثم يسألنا، فلما قلنا له إن ما سأل عنه ليس في الكتب التي قرأنا، قال: “ان الكتاب يعلمك آليات التفكير وأصوله ثم يأتي بعد ذلك دورك في إخراج ما هضمت من قراءاتك بطريقتك”.
هناك كثير ممن تصدوا للكتابة والتصنيف مجرد نساخ لما قاله السابقون يجمعون مصنفاتهم من كتب السابقين مجرد جمع وترتيب ويضعونها في كتب تحت نفس العناوين وربما بنفس الترتيب ويملؤون الأسواق بها ويشير إليهم الناس باعتبارهم علماء ومفكرين بما يرددون من كلامهم… ولكنني عندما أقف على شاطئ بحر الشيخ الغزالي الزاخر أجد نفسي أمام شيء آخر… أجد عالما واسع الاطلاع في كتابات السلف والخلف من العلماء والمفكرين في علوم الشريعة وغير الشريعة قد هضم كل ذلك ثم أخرجه لنا ممزوجا بما أضفاه عليه من فهم وجدة وغوص في المعاني والأفكار.
كنت أشبهه بالنحلة تطوف ما تطوف على مئات الأزهار تنتقي منها أعذب ما فيها من رحيق وتهضمه في بطنها وتخرج لنا عسلا رائعا حلو المذاق ليس هو ذلك الرحيق ولا فيه تلك الأزهار ولكنه يحمل من عبقها… هو نتاج النحلة من رحيق الأزهار.
فتجده إن كتب في موضوع سُبِقَ فيه؛ مثل كتابه “عقيدة المسلم” أو “خلق المسلم” تظهر شخصيته في كتاباته فلا يكتفي بترديد كلام من سبقوه، ولكن عبقريته تظهر في اقتحام الجديد من الموضوعات وكيفية انعكاس اطلاعه الواسع وفهمه الدقيق على ما يكتب.
نعم لقد كتب في المشكلة الاقتصادية وكتب في الاستبداد السياسي وكتب في التنمية البشرية -قبل أن يشيع هذا الموضوع- وكتب في المشكلة الطائفية وناضل بشراسة في الذب عن الدين والرد على المستشرقين وغير ذلك. وكانت كتاباته يظهر فيها بوضوح سعة اطلاع وإدراك بل وتشرب لروح الشريعة ومقاصدها وإدراك عظيم للواقع واحتياجاته، كل هذا ممزوجا بشخصية الشيخ الخلاقة المبدعة.
لقد كان –رحمه الله- على كثرة ما صنف عظيم التأمل في الكتاب والسنة وكان كلما زاد تأمله وجهده ومعايشته لهما زادت فيوضهما عليه.