القائمة إغلاق

هدايا السماء..

ساقتني أقداري لصلاة الظهر بإحدى الزوايا الصغيرة .. 
وعقب الصلاة – ورغم أنني لا أعرفه من قبل – تقدم شاب وسيم ناحيتي بوجهه الباسم واحتضنني بقوة .. فلم يكن أمامي إلا أن أبادله ابتسامة بابتسامة وحضناً بحضنٍ .. 
حاولت غاية جهدي أن أتذكره فلم أفلح .. فقلت لعله جار قديم أو زميل دراسة سابق أو رفيق في البعثة (خاصة وأن وجهه الوضيئ تزينه لحية خفيفة)
المهم .. 
فوجئت به يضمني مرة أخري ضمة حانية أكثر دفئاً من سابقتها ويهمس في أذني قائلا : فكرتني بأخي الغالي طه. وكانت نبرة صوته حزينة ويكاد يبكي .. 
فأجبته بعفوية : ربنا يرحمه ويجعله من أهل الجنة.
فتغيرت نبرته وقال : لا .. أخي طه بخير والحمد لله ..
فأجبته مندهشا : الحمد لله 
فأردف قائلا : بس هو حاليا في السعودية ..
فقلت له : ربنا يرجعه بالسلامة ..

صافحته وجلست أختم الصلاة وظننت أن الموقف قد انتهى عند هذا الحد وجلس هو بجوار باب المسجد يسبح ويدعو ويرمقني من طرف خفي بين الحين والآخر

صليت السنة وسحبت نعلي وهممت بالخروج ففوجئت به ينتظرني خارج الباب بذات الابتسامة .. بل اتسعت وزادت .. وناداني قائلا : بعد اذنك .. أنا عايزك في موضوع صغير ، فأجبته قائلا : خيراً .. اتفضل .. تحت أمرك .. 
(ووقع في نفسي أنه ربما يرغب في التعرف بي أو ربما غرته لحيتي الطويلة فسوف يستفتيني في مسألة شرعية أو ربما يطلب مساعدة مادية – رغم أن هيئته لا تشير إلى ذلك – أو.. أو.. ) 
المهم .. فوجئت به يمسك بيدي ويسحبني (برفق وحزم) نحو سيارة فخمة على رصيف المسجد ويفتح باب السيارة بيمناه بينما يسراه مازالت تقبض على يدي وتجذبني نحوه (برفق واصرار) كمن يريد أن يطمئن أنني لن أهرب منه

ثم جلس على مقعد القيادة (نصف جلسة ) وامتدت يده اليمنى إلى شنطة (تابلوه) السيارة ففتحها بخفة وسرعة واغترف كل ما فيها من أوراق نقدية .. ومازال يقلب ويقلب حتى اطمأن أنه لا توجد نقود أخرى .. كل هذا ومازالت يده اليسرى تمسك بيدي

استغرق هذا الأمر حوالي دقيقة جالت في خاطرى خلالها عشرات الخواطر .. هل هذه سيارته؟ هل يسرقها؟ ما داعي اللهفة؟ لماذا يمسك بيدي؟ …. عجزت عن الفهم وانعقد لساني عن الكلام وقبل أن أفيق من دهشتي إذا به يخرج من السيارة ويحتضنني ويدس يده بكل ما فيها من أوراق نقدية في جيبي (نعم .. جيبي أنا) ثم أخرجها فارغة تماما ..

تعجبت من تصرفه ، وقبل أن أتكلم فوجئت به يعانقني باكيا ويقول : والله ما تكسفني والله ما تحرجني .. والله ما ترجع منهم مليم واحد، ولو رجعت مليم واحد ها يبقى آخر اللي بيني وبينك.. 
تعجبت جدا (ما الذي بيني وبينه)؟ وهذه أول مرة أراه في حياتي كلها 
وسألته : حضرتك تعرفني قبل كده؟
فأجابني : لا .. 
سألته : طيب حد قال لحضرتك إن أنا ظروفي صعبة أو أي حاجة زي كده ؟ 
فرد قائلا : لا والله .. أنا أول مرة أشوفك في حياتي ..

تعجبت وزادت دهشتي .. وقبل أن أوجه له أي سؤال آخر قفز داخل سيارته وأغلق بابها وأدار مفتاحها وانطلق بها بعيداً عني ثم فتح زجاجها وأشار نحوي وقال بصوت مسموع (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
تسمرت قدماي .. وشخص بصري .. ثم تلقائيا امتدت يدي إلى داخل جيبي .. فأخرجت النقود .. نظرت اليها .. ثم لمعت عيناي وفتحت فمي مشدوها عندما رأيت كمية لا بأس بها من كافة فئات الأوراق المالية (200/100/50) جنيهاً ومعها بضعة ورقات من فئة عشرة وخمسة جنيهات . 
عقد الصمت لساني ..

هذا – والله العظيم – ما حدث معي يوما ما منذ حوالي عشرة أعوام مضت .. وطبعا قد يسألني أحدكم : كم كان المبلغ ؟ فأقول : والله العظيم لا أتذكر كم كان بالضبط ، ولكنه كان مبلغا طيباً قيماً .. فاللهم بارك لهذا الأخ الحبيب في أهله وماله وولده وصحته وأعظم أجره وارفع قدره ويسر أمره 
قولوا آآآمييييييييييين

التعليقات

موضوعات ذات صلة