بقلم/ عصام دربالة
من منا لم يردد بينه وبين نفسه هذه الجملة “نفسي أعمل حاجة حلوة”.. لابد أن تكون قد قلتها لنفسك يوما ً ما.. ولابد أن تمر على خاطر كل منا لحظة ما.
فهي جملة تتولد من إرادة الخير المركوزة في فطرة كل إنسان.. وهي جملة تعبر عن إرادة الانتقال إلى ما هو أعلى وأسمي مما ينشغل به المرء من أمور قد تكون جائزة أو مكروهة وربما محرمة.
نعم.. هذه الجملة قد يرددها المرء حال شعوره بالتقصير أو عند فوات فرصة خير وبر لم يدركها .
ولعل هذا ما حدث مع الصحابي الجليل أنس بن النضر عندما فاتته المشاركة في غزوة بدر فقال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ” يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين.. لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع”
فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون.. فقال: “اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني المشركين”.
ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: ” يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحدِ!
قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع!
قال أنس: فوجدنا به بضعا ً وثمانين ضربة بالسيف.. أو طعنة برمح أو رمية بسهم.. ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون.. فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه..
قال أنس (ابن أخيه): كنا نرى – أو نظن – أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه “ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ” متفق عليه
ولعل هذه الجملة جالت بخاطر الرجل الذي خرج من بيته ليزور أخا ً له في الله في قرية أخرى.. فأرصد الله له ملكا ً ليسأله:
أين تريد؟
قال: أريد أخاً لي في هذه القرية
قال: هل لك عليه نعمة تُربُها عليه؟
قال: لا.. غير أني أحببته في الله تعالى
قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه” رواه مسلم
نعم “نفسي أعمل حاجة حلوة” .. هي التي ترددت بين حنايا قلب عثمان بن عفان عليه السلام عندما اشترى بئر رومية من اليهودي ووهبها للمسلمين ليشربوا منها عندما علم أن ثمن ذلك هو الجنة.
وخاطر ” نفسي أعمل حاجة حلوة ” هو الذي ورد على قلب أبي طلحة عندما قال لزوجته أم سُليم:” قد سمعت صوت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضعيفا ً أعرف فيه الجوع.. فهل عندك من شيء؟
فقالت: نعم فأخرجت أقراصا ً من شعير.. ثم أخذت خمارا ً لها.. فلفت الخبز ببعضه.. ثم أعطته لابنها أنس دسته تحت ثوبه وردته ببعضه.. ثم أرسلته إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذهب.
ويقول أنس: فوجدت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالسا ً في المسجد.. ومعه الناس.. فقمت عليهم.
فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “أرسلك أبو طلحة؟
فقلت: نعم
فقال: “الطعام”
فقلت: نعم
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :”قوموا”
فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته.
فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا ما نطعمهم؟ فقالت: الله ورسوله أعلم.
فأنطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) معه حتى دخلا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “هلمي ما عندك يا أم سليم”.. فأتت بذلك الخبز.. فأمر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ففت.. وعصرت عليه أم سليم عكة فآدمته.. ثم قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما شاء الله أن يقول.. ثم قال: “ائذن لعشرة” فأذن لهم.. فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا.. ثم قال: “ائذن لعشرة” فأذن لهم حتى أكل القوم كلهم وشبعوا.. والقوم سبعون رجلا أو ثمانون”. متفق عليه
ربما أيضا ً جالت هذه الكلمة في عقل أحمد زويل العالم المصري عندما حصل على بكالوريوس كلية العلوم.. ثم تأمل ماذا يصنع لنفسه ومستقبله ووطنه.
والرغبة في القيام بشيء جميل تارة تكون من أجل تحقيق الرضا عن الذات.. وتارة يكون لكسب رضا الناس.. وتارة تكون بغية نيل رضا الرحمن.. ومما يعبر عن ذلك قول الرجل للنبي (صلى الله عليه وسلم) ” يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟
فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله .. وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس” حديث حسن رواه ابن ماجه
لا تفلت هذه الخاطرة
فإذا ما مرت هذه الخاطرة على القلب أو العقل.. فلا ينبغي أن تتركها تفلت من بين أيدينا.. لأنها خاطرة تفتح لنا أبواب الخير وتدفعنا لفعل الخيرات والإقبال على الطاعات.. فهي طريقنا للجنة.. وأيضا ً لراحة النفس وصلاح البال.
وهذه الخاطرة إذا اغتنمتها كل من ترد على خاطره فسوف ينجم عنها تطور كبير في حياة المجتمع ودنيا الناس.
وتخيل معي لو أن كل موظف قال لنفسه وهو ينطلق لعمله: “نفسي أعمل حاجة حلوة اليوم”.. هل تراه سيعطل مصالح الناس بغية الحصول على رشوة أو غيرها؟ .
ولو أن كل مدرس قالها قبل بدء الشرح في داخل مدرسته.. فهل تراه يساوم أي طالب على الحصول على درس خصوصي منه؟
ولو أن كل زوج قالها في نفسه عند عودته لمنزله لتجنب الشجار.. ولأدخل السعادة على قلوب الزوجة والأبناء.
اغتنم مواسم الخير
ولقد كان من حكمة الله البالغة أن رتب مواسم للخير على مر أيام العام رغب فيها في فعل الخيرات وتتهيأ النفوس فيها للإقبال على الطاعات.. ولنيل الثواب
ولو سأل كل منا نفسه قبل دخول رمضان.. أو مع بدء أيام العشر الأوائل من ذي الحجة.. ماذا تريد أن تفعل؟
لردت عليه: ” نفسي أعمل حاجة حلوة”