القائمة إغلاق

ليلة القدر.. ليلة فارقة.. كيف ذلك!؟

بقلم: الأستاذة هويدا بلال

في هذه الأجواء التي كان يعيش فيها هذا الشاب الرائع، محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، وسط هذه الأصنام والأوثان، ووسط صاحبات الرايات الحمراء، ووسط تجرع الخمر ليل نهار دون توقف، آثر البعد والانعزال، وكان يمارس التأمل العقلي فيما يجري حوله، هذا التأمل الذي أصبح -بالنسبة له- يجد فيه نفسه، فيبتعد عن كل ذلك الزخم والصخب ويهرع إلى أعلى قمة في بلدته مكة، يختار غاراً مظلماً بعيداً عن الأعين، وكان يجلس وحيداً يلتزم الصمت من أجل التأمل، إلى أن اخترق هذا الصمت صوت عذب هو صوت خديجة زوجته (رضي الله عنها)، تهرع إليه لتطمئن عليه لأنها تفتقده، تبحث عنه كأم تريد الاطمئنان على طفلها، تتفقد ما يحدث له، تعطيه شيئا من الطعام الخفيف، فهو كان زاهداً في الطعام لا يأكل إلا الخل والزيت والتمر والخبز اليابس، ثم ترحل وتتركه لهذا الذي يحب، عله يجد ما كان يبحث عنه وينتظره، كان ذلك في شهر رمضان في غار حراء في ليلة ظلماء موحشة فوق الجبل، بداخل كهف مظلم ينظر وحيداً في السماء، ليس بها نجوم، لا يجد إلا رؤوس الجبال تطل كأنها رؤوس الشياطين.

ثم تحدث المفاجأة الفارقة التي غيرت وجه العالم وغيرت ملامح البشرية، لقد رفع رأسه إلى السماء فوجدها تمتلئ بشيء لا يعرفه، ما هذا الشيء؟ إنه مخيف بالنسبة له فهو لم يره من قبل، لقد كان ضخماً يملأ الأفق، له أجنحة كثيرة، يملأ ما بين السماء والأرض، ما هذا المخلوق؟ لقد ارتجف وأحس بالخوف وكاد قلبه ينفطر، اقترب منه.. واقترب ثم أمسك بتلابيبه، وأخذ يهزه ويضمه إليه ويستنطقه “اقرأ”.

كيف يقرأ وهو أمي عاش حياته لم يكتب كلمة، لم يقرأ كلمة، لا يدري ماهي الحروف والرموز، لكن هذا المخلوق أصر على أن يستنطقه بقوة شديدة فهو “شديد القوى”.

“اقرأ.. اقرأ”.

فيرد: “ما أنا بقارئ”.. لا أعرف القراءة.. لا أدرى عنها

لكن قال له مرة أخرى.. اقرأ..

قال.. ما أنا بقارئ

قال.. (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (*) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (*) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (*) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ…).

فانتفض جسده وهو يردد هذه الكلمات العجيبة، وكاد أن يغشى عليه، لكن “جبريل” تركه وانصرف، أجل هو جبريل (عليه السلام) الملك الموكل بالوحي، تركه فوجد نفسه يهرول مسرعاً من شدة الخوف حتى وصل إلى بيته لا يدري كيف وصل لكنه يشعر بالخوف والبرد، استقبلته حبيبته وزوجته وأخذته كطفل بين ذراعيها تهدهده من شدة خوفها عليه، وتقول “لا تخف فأنت لم تفعل شيئاً يعاقبك به الله”، قال “دثريني، دثريني”، لا زالت الرعشة تتملكه والبرد يكاد يعصف به فغطته وطمأنته، ثم طلبت منه أن يذهب معها لرجل عالم يدري عن هذه الأشياء، إنه “ورقة بن نوفل” ابن عمها.

هذه الليلة هي الفارقة في حياة البشر، ليلة التقاء جبريل عليه السلام بـ محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول القرآن الكريم، إنها ليلة القدر ليلة خير من ألف شهر.

فـهل شعرنا بأهمية هذه الليلة؟ وهل عرفنا لماذا عظمها الله؟ فأنزل سورة قرآنية باسمها؛ لأنها الليلة الفارقة وهي إلى الآن فارقة في حياة كل مسلم، فلربما بسبب تحريها وقيامها وصيامها وقرآنها يُغفر لنا جميع الذنوب، ثم إن متنا بعدها ندخل الجنة ببركتها علينا، أليس هذا هو الحلم الجميل الذي يتبادر في ذهن كل مسلم، إنه سهل التحقيق إذا قمنا ليلة القدر، وها هي ذي قد أقبلت فـهل سنستفيد من هذا الخير؟

التعليقات

موضوعات ذات صلة