بقلم: فضيلة الشيخ عبود الزمر
في مطلع العام الهجري الجديد أتوجه في البداية بالتهنئة القلبية للأمة الإسلامية راجيا من الله تعالى أن يوفق الجميع إلى التزام هدى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فبه ينصلح حالها كما انصلح جيل الأوائل وسادوا الدنيا بأسرها بأخلاق الإسلام السامية وبعدالة التشريع الرباني المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ثم إنني أشرع في كتابة هذا المقال الافتراضي الذي أضع نفسي فيه مكان رئيس الدولة، واضعا جملة اعتراضية بين قوسين مفادها أنى لا أتمنى مثل هذا المنصب الخطير الذي يؤتى فيه الرؤساء والأمراء والملوك، يوم القيامة مغلولي الأيدي إلى الأعناق، لا يفك وثاقهم سوى العدل، فالرئاسة في هذا اليوم خزى وندامة إلا من تولاها باستحقاق أي كان أهلا لها وأدى حق الله فيها.
والذي أهدف إليه من مقالي هذا هو وضع تصور عملي لحل الأزمة التي تمر بها البلاد في مجموعة من النقاط، في تقديري إن تم الأخذ بها ستخرج مصر من محنتها التي أصبحت لا تخفى على ذي عينين قال تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).
وخلاصة هذا الطرح تبدأ بشكر الحكومة الحالية على ما بذلته من جهود مع إعفائها من مهامها لكونها لم تحقق ما يطمح إليه الشعب من إنجازات، وربما كان في التغيير إلى تشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط) الخير الكثير، على أن يكون رئيس الوزراء شخصية وطنية مستقلة، وعليه أن يلتزم بتنفيذ ما جاء في خطاب التكليف خلال عامين، ويستعمل كافة الصلاحيات التي كفلها له الدستور والقانون، على أن يتضمن خطاب التكليف الاتي: –
١- إعلاء كلمة الله تعالى، ووقف العمل بكافة القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية، إعمالا بنص المادة الثانية من الدستور.
٢- وقف العمل بقانون الطوارئ، لكون القانون العادي يكفى لمواجهة المخالفين، كما أن القوانين الاستثنائية تسيئ إلى سمعة البلاد، وترمز إلى عدم الاستقرار، وتضر بالاستثمار.
٣- الدعوة إلى حوار وطني موسع حول خطط العمل المستقبلية، تحضره كافة القوى السياسية والأحزاب، والنقابات المهنية والمراكز البحثية والعلمية، والكفاءات الوطنية لإبداء الرأي والمشورة.
٤- إجراء التحول الاقتصادي من النظام الربوي المدمر إلى النظام الإسلامي المربح قال تعالى (يمحق الله الربا ويربى الصدقات) وقال (اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا) وقال (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وذلك كي نتفادى العقوبة الإلهية التي نراها اليوم تضرب في صميم الاقتصاد الربوي العالمي من خلال فيروس كورونا.
٥- العمل على إسقاط ما أمكن من ديون مصر، وتحويلها إلى قروض حسنة، بلا فوائد مع حساب ما تم سداده من فوائد من إجمالي أصل الدين.
٦- وقف الاستدانة من الدول والبنوك إلا في حالة الضرورة القصوى (شراء قوت ضروري، قطع غيار للأسلحة والمعدات) حتى لانحمل الأجيال القادمة أعباء السداد.
٧- تعديل النظام الضريبي بما يسمح بإعفاء أصحاب الدخول المنخفضة (أقل من عشرة آلاف جنيه مصري شهرياً) وتحصيل الضريبة من الدخول الأعلى نزولا إلى الأدنى حتى يتحقق الاستيفاء، وبهذا تتحقق العدالة الضريبية، بأخذها من الأكثر ثراء.
٨- ضغط وترشيد الإنفاق الحكومي وعدم إضافة أعباء جديدة على المواطن، مع الرفع التدريجي للحد الأدنى للأجور، وأصحاب المعاشات، وتفعيل قانون الحد الأقصى للأجور.
٩- العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية وعدم تصدير أي محاصيل زراعية يحتاجها السوق المحلى، مع السماح بتصدير الفائض لتوفير المزيد من النقد الأجنبي.
١٠- اتخاذ ما يلزم من إجراءات لاستعادة الأموال المنهوبة بالخارج، واستخدامها في تمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ذات العائد السريع، وتشغيل المصانع المتوقفة طبقا لأولويات وحاجة السوق المحلية.
١١- ترسيخ مفهوم الأمن القومي من خلال التعريف المصري الذى يهدف إلى حماية الدولة ضد الأخطار الخارجية وتأمين الجبهة الداخلية وتنمية المشاركة السياسية، وهو ما يتطلب تعزيز الدور الدفاعي للقوات المسلحة، والشرطة من ناحية، وفتح الباب أمام تشكيل الأحزاب السياسية من جهة أخرى، إذ أنها تعد صمام أمان للأمن القومي لا يستهان به.
١٢- تعديل قانون الانتخابات البرلمانية بما يسمح بمشاركة أوسع وتمثيل اكبر للقوى الوطنية في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي، ولا مانع من الاسترشاد بالقانون الذي تمت على أساسه انتخابات مجلس النواب ٢٠١٢.
١٣- تحديد موعد إجراء انتخابات المحليات في الربع الأول من العام القادم ٢٠٢١، لكون هذا القطاع يحتاج إلى مزيد من الترشيد والإصلاح العاجل.
١٤- مواجهة احتمالات نقص المياه بتعديل السياسة الزراعية بما يحقق زيادة إنتاجية الفدان، وترشيد الاستهلاك، والري بالتنقيط، والتوسع في المحاصيل ذات الرية الواحدة، وتحلية مياه البحر ونحو ذلك من إجراءات، والاستعداد لإقامة صلاة الاستسقاء، فرب الكون الذي يأتينا بالماء عن طريق نهر النيل، قادر على أن يأتينا به من السماء مباشرةً (وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته).
١٥- تطبيق مواد العدالة الانتقالية، وتفعيل المصالحة الوطنية بين أطياف المجتمع المدني، والإفراج عن المسجونين على ذمة القضايا السياسية، والسماح بعودة المعارضين السياسيين بالخارج، وإسقاط كافة التهم عنهم إلا المتهم بمباشرة القتل بنفسه فيعرض على النيابة العامة مع ضمان محاكمة عادلة.
١٦- كل من قتل في الأحداث من ثورة يناير ٢٠١١ وحتى الآن، ولم يعلم أحد من قتله، له دية من خزانة الدولة يأخذها ورثته سواء كان من رجال الشرطة أو الجيش أو المواطنين.
١٧- إنهاء حالات النزاع بين الدولة والأفراد في ساحة القضاء الإداري ورد الحقوق من خلال لجان المصالحة دون انتظار لنهاية سلم التقاضي الطويل، لما في ذلك من مشقة على المواطن يجب أن ترفع مادام له الحق.
١٨- اعتماد مصر لدور الوسيط المقبول لحل النزاعات البينية على أساس من الحق والعدل وبما يحفظ حق الشعوب في تقرير المصير واختيار من يمثلها.
١٩ـ وضع خطة عاجلة للتخفيف من معاناة الفقراء والمهمشين وخاصة في الصعيد وسيناء ومطروح والنوبة والوادي الجديد.
٢٠- الاهتمام بمناطق الكوارث الطبيعية ودعم المتضررين، وإغاثة الملهوفين والمستضعفين، وذلك فى إطار التواصل الاجتماعي بين الشعوب، وبما يقوى العلاقة بين الحكومات.
٢١- استعادة دور الهيئة العربية للتصنيع، لتكون منارة صناعات جديدة تفى بحاجة السوق العربية من الأدوات والمعدات والوسائل ما أمكن ذلك.
٢٢ـ دعم القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في الحياة الكريمة والدولة المستقلة، وعاصمتها القدس، وفتح المعابر الحدودية وكسر أي حصار تتعرض له والإمداد بكل سبل المعيشة المطلوبة.
٢٣- العمل على توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة للمواطن، وتنظيم مشاركة الجيش (قطاع الخدمة الوطنية) بما يجعل دوره مكملا وليس منافسا يقضى على الصناعات الوطنية في السوق المحلى.
٢٤- تدشين خطاب إعلامي متوازن يتسم بالصدق والشفافية، ويدعو إلى الألفة وتوحيد الصف والإحسان إلى الخلق، والحث على الفضيلة، ومكارم الأخلاق.
وختاما.. أكون قد انتهيت من الخطوط العريضة لخطاب التكليف، ويبقى لدى اختيار الشخصية التي أراها مناسبة للقيام بهذا الدور الهام وفى الأوقات العصيبة التي نحن بحاجة فيها إلى عودة اللحمة إلى جسد الوطن، ولهذا فإنني أرى الدكتور محمد سليم العوا مناسبا لتولى الوظيفة، فهو رجل وطني شريف يمتلك الأدوات التي تؤهله لرئاسة الوزراء وتنفيذ ما جاء في خطاب التكليف على الوجه الأكمل، كما أرى أن المستشار محمود مكى يمتلك القدرة على تولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل والمشرف على تنفيذ المصالحة الوطنية الشاملة لما يتمتع به من قبول لدى الأطراف السياسية والقوى الوطنية وسائر مكونات المجتمع المدني.
وهنا أستطيع القول إن الدولة المصرية ستستعيد عافيتها ومكانتها المرموقة، وتصبح وطنا يسع كل المصريين.. هذا، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.