بقلم: م. محيى الدين عيسى
فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ
كرم زهدى صديق العمر كما عرفته
((خِيَارُهُمْ في الْجَاهِليَّةِ خِيَارُهُمْ في الْإِسْلَامِ إِذَا فقُهُوا))
على مدار اكثر من نصف قرن خمسين عاما امتدت علاقتى باخى وحبيبى كرم زهدى
كانت بداية المعرفة فى المرحلة الثانوية وتحديدا عام 1969 وقد التقينا فى هذا العام بعد ان التحقنا بفريق الكشافة المدرسية النى كان رحمه الله شغوفا بها
ثم ظهر ولعه بالتمثيل فيما كان عشقى انا للموسيقى وبدات محاولاتى للعزف على العود فيما اتجه هو الى محاولات التمثيل
وتعرفت وقتها على والده الاستاذ زهدى وكان رجلا منفتحا مربيا يعشق الثقافة وكان يوجهنا للذهاب الى المركز الثقافى فى المنيا والى منظمة الشباب
الاستاذ زهدى كان صديقا لاصدقاء ابناءه يمازحهم ويناقشهم فى امور السياسة والثقافة
كنا تقريبا لا نفترق يوما وفى العطلة الصيفية نحمل المخلة او الجربندية بلغة الكشافة ونسافر الى القاهرة مشيا عن طريق الاوتستوب وهى ان تشير لاى سيارة باصبع الابهام فيقف البعض ليوصلك الى نقطة توقفه ثم تكمل المسير
ظهرت صفات كرم من الجدعنة والشهامة والشجاعة منذ صغره فهو يكره الظلم ويلين قلبه لبكاء مظلوم فيهب لنصرته ورغم جسده النحيل الا انه كان يجيد التغلب على خصومه بضربة راس قاضية فيسقط على اثرها وكم من مرة نزل من على دراجنه لينتصر لمظلوم
انتهت المرحلة الثانوية وفرقتنا الجامعة حيث دخلت انا كلية الهندسة بينما هو الذى كان يكره المذاكرة ويعتبر كتب التعليم حشوا لا فائدة منه فدخل معهد التعاون باسيوط ولكنه لم ينقطع فكان اغلب ايامه معنا فى جامعة المنيا
فى اول سنة جامعية انضم الينا صديقين اخرين هما م مشعل الطحاوى والصديق مصطفى فتحى رحمه الله وكانت هذه شلتنا التى اطلق عيها طلاب الجامعة شلة الانس لما كانت تقدمه من حفلات ورحلات
فى هذه الفترة كانت الشيوعية والناصرية تنتشر فى جامعات مصر وكان الشيوعيون لا يعرفون عن هذا الاسم الا الالحاد ونظرا لاختلاطى بهم والحوار معهم فقد مررت بمرحلة شك وهى التى تسبق الايمان وكان السؤال هو كيف تم الخلق وقد قام اخى كرم بانتشالى من هذه الحيرة بما قدمه لى من كتب وبما طرحه معى من سؤال لو افترضنا بعدم وجود اله فكيف تم خلق كل هذا الكون البديع ورغم انه لم يكن ملتزما الا انه كان يملك ايمانا فطريا كبيرا
فى اوائل عام 1973 تعرضت لاصابة بانزلاق غضروفى وحيث ان الطب وقتها كان يلجا للعلاج التقليدى فقد راى الطبيب ان انام على ظهرى على سرير بدون مراتب لمدة 3 اشهر وكان امرا عسيرا ولكن كان فيه كل الخير
كان القران وكتب التفسير هى خير صديق لى وكان اخى كرم شبه مقيم معى اغلب اليوم وبعد انتهاء العلاج والتعافى كانت تقطة التحول والالتزام
جلست مع مجموعتا او شلة الانس لعرض عليهم التحول ووجوب العمل لدين الله فكان كرم زهدىاول من استجاب دون ترددوعاهدنى على العمل سويا وكانت الانطلاقة
بعدها باشهر صار عدد المتقدمين لقيادة العمل 6 هم كرم زهدى ومصطفى خليل والدكتور محمد جمال رحمهم الله ومعهم مصطفى حسن وحسين سليمان وجلسنا لنختار اميرا وطلب كرم زهدى اعفاءه من اى قيادة وتم انتخابى ب5 اصوات
سخر الشيخ كرم موهبته فى التمثيل فى الدعوة وخطب الجمعة وكان خطيبا بارعا فصيحا بليغا حتى ان الناس كانت تذهب الى خطبة الجمعة من الساعة التاسعة صباح لتحجز مكانا وهم يحملون اجهزة التسجيل لتسجيل الخطبة وتمتلا الساحة امام مسجد الرحمن عن اخرها
ولو شاء القدر واكمل كرم مسيرته فى الخطابة ولم يتحول الى النهج الجهادى لكان من افضل خطباء مصر وهو الامر الذى ينطبق على الدكتور عمر عبد الرحمن الذى لولا تحوله الى نهج الجهاد لكان من اعظم علماء عصره
استطاع كرم ان يغير بيته اولا فالتزم والده واطلق لحيته واقلع عن التدخين الذى كان شره فيه وتحجب اخواته
فى عام 1977 وبعد اعتقال فى احداث يناير قام كرم بجهد كبير للافراج عنى وقابل الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح وكان وقتها رئيس لاتحاد طلاب جامعة القاهرة والذى نجح فى ذلك
ايام العمل فى الجماعة الاسلامية كنا لا نفترق واليوم كله عمل ونشاط ودعوة فى القرى والمراكز حتى بدات ميول الشيخ كرم الى العنف تزيد ورغم نصيحته له الا انه رحمه الله كان يتوق للشهادة ويرى وجوب مقاومة السلطة فى مصر بالسلاح
كان مفتونا بكارم الاناضولى ويسمع كثيرا خطبته امام المحكمة والتى تم تسريبها ويرى انه نمذجا للمسلم الصادق
كان يناقش الحاج مصطفى مشهور ويطلب منه ان يكون لدينا تنظيم فى الجيش فكان الحاج مصطفى مشهور يضحك ويقول له يا اخ كرم هلا ذهبت الى افغانستان تريح وتستريح
كانت صدمة كرم الكبيرة عندما علم بانضمانى انا واخلى المهندس ابو العلا والذى كان الاخ كرم يحبه كثيرا ولما علم بانضمامنا للاخوان من خلف ظهره حزن كثيرا وقال لى يهون عليك العيش والملح
واتجه هو الى طريقه الذى بؤمن به ومضى كل منا الى غايته ولكن لم تنقطع تواصلنا المستمر وفى كل مرة كان يقول يا اخى الم يأن لك ان تلحق بنا فامازحه واقول يا اخى الم ياتى الوقت لتاتى الينا
الى ان جاءت حادثة اغتيال السادات واخداث اسيوك وتم اتهامى فيها انا واخى ابو العلا وتشرت الصحافة صورنا مع كرم وناجح ابراهيم الى ان تم تبراتنا
مكث كرم فى السجن عشرين عاما تفاوتت بين تكدير فى سجن العقرب وتعذيب الى ان حانت اللحظة للهداية والمراجعة والتى بداها كرم ثم التحق معه القيادات التاريخية للجماعة ناجح ابراهيم وعاصم عبد الماجد وعلى الشريف وعصام دربالة واسامة حافظ
ولعل التاريخ سيذكر انه رحمه الله من القادة القلائل الذين تحملوا المسئولية الادبية لاعتقال الاف الشباب وتعذيبهم داخل السجون
لم يقل كرم كغيره لاخوانه فى السجن اننا لم نضربكم على ايديكم لتنضموا الينا ولم يطلب منهم فقط الصبر والثبات بل استشعر مسئوليته كقائد للافراج عنهم
اضافة الى ذلك قناعته بخطا الطريق والمنهج وجاءت المراجعات لتكون الاولى فى تاريخ الحركات الاسلامية التى يتراجع قادتها عن منهجهم وفق ضوابط شرعية
كانت اول زيارة للشيخ كرم بعد الافراج عنه عام 2002 لى فى بيتى بالمنيا حيث تفاجات بمن ينادينى باسمى من اسفل البيت فلما خرجت ما كدت اصدق نفسى فنزلت اليه واحتضنته وبات عندى ليليتين وتحدثنا فى امور كثيرة وكانت خلاصة تجربته هى قناعته بعدم جدوى مقاومة الحاكم والعمل بالسياسة وانه يجب على الحركة الاسلامية التفرغ التام للدعوة والاصلاح وعدم الاصطدام بالحاكم فلما جادلته استدل بما كان يقوم به البنا مع الملك فاروق حيث كان يامر جوالة الاخوان للخروج فى استقباله والهتاف يحيا مليكنا المعظم
استمر كرم زهدى برئاسة محلس شورى وعمل مع ناجح ابراهيم فى قيادة الجماعة الاسلامية وفق هذا النهج الى ان حدث خلافا بعد ثورة يناير نتج عنها انتخاب عصام دربالة رحمه الله قيادة جديدة فاستقال هو وناجح ابراهيم من الجماعة
ومع ذلك ظلت علاقته مع قياتها الجديدة وخاصة اخى اسامة حافظ طيبة للغاية
قد يختلف البعض حول شخصية كرم زهدى وتاريخه
ولكن لا يشك احد فى دوره الكبير فى تاسيس العمل الاسلامى فى السبعينات ولا فى دوره فى تاسيس اول مراحعة فكرية لجماعة اسلامية
تتساقط اوراق جيلنا كتساقط اوراق الخريف ورق تلو الاخرى ولكن عزاؤنا ان الموت حق ولا يفلت منه احد من خلق الله فالموتى هم السابقون ونحن بهم لاحقون
رحم الله اخى وصديق عمرى الشيخ كرم زهدى والحقه بالصالحين
ونم يا اخى وحبيبى فى قبرك فقد استرحت من عناء الدنيا الى نعيم الاخرة ان شاء الله
نم واسترح من هجوم خصومك وبعض اصدقاءك
اللهم احسن خاتمننا واجمعنا بمن نحب فى مقعد صدق عند مليك مقتدر اخوة على سرر متقابلين
محيي عيسى