بقلم: أ. سيد فرج

على خلفية الحشود العسكرية الروسية، ومناوراتها ذات الرسائل الواضحة، وفي ظل استنفار الأدوات الإعلامية والاستخباراتية الأمريكية، لتفزيع أوكرانيا والغرب عموما، تتجه الانظار، نحو الحدود الأوكرانية الروسية، لمتابعة، وقراءة الأزمة الحالية، والتنبؤ بمآلاتها وآثارها السياسية، والاقتصادية.
ومن خلال رصدنا للسلوك الدولي في العلاقات البينية، توصلنا إلى أن آلية تسوية الأزمات أو النزاعات عن طريق الحرب يضعف بين الاطراف المتكافئة، والتي تحتفظ بتوازن بينها في الفعل ورد الفعل _ فمن وجهة نظرنا _ يكون الحديث عن حدوث حرب، أو حرب طويلة الأمد، فضلا عن الحديث عن حرب عالمية، يجب أن يكون هناك نوع من التمهل والترقب أكثر لمسار الأحداث التي ظاهرها الاشتعال، ولكن تحمل في طياتها عوامل اطفاءها.
لذلك سنتناول بعض العناصر ذات الصلة التي يمكن أن تسهم في فهم ماذا يحدث وما هي مآلاته وذلك على النحو التالي:
- أهداف روسيا ومدى تحققها.
- الأهداف الأمريكية ومدى تحققها.
- هل ستندلع الحرب العالمية الثالثة أم ماذا؟
- من الخاسر الآن وبعد نشوب الحرب؟
- الآثار السياسية والاقتصادية للحرب دوليا.
- آثار الحرب على أزمات المنطقة العربية.
ونتناولها على النحو الآتي:
أولا: أهداف روسيا ومدى تحققها.
أ -أهداف روسيا على ثلاثة مستويات:
١_ على المستوى الداخلي:
_ رغبة بوتين في تقديم روسيا، على أنها قوة عظمى.
_ النظام الديمقراطي في أوكرانيا، قد يصيب الروس بعدوى الديمقراطية، مما يهدد نظامه الاستبدادي.
٢_ مستوى الصراع الروسي الأوكراني:
_ تأكيد سيطرتها على شبة جزيرة القرم، ودفع أوكرانيا للتخلي عنها.
_ دفع أوكرانيا لقبول الحكم الذاتي لمنطقة دونباس، لصالح الانفصاليين.
_ منع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو، وجعلها دولة محايدة.
٣ _ مستوى التنافس الروسي الغربي:
_الحصول على تعهد غربي، بعدم ضم كلا من” أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا” لحلف الناتو.
_ والحصول على تعهد بانسحاب حلف الناتو، من دول المواجهة ” بولندا ورومانيا وبلغاريا”.
_ إعادة الاعتبار لروسيا، وترسيخ نفوذها الأوروبي، وتقديمها على أنها دولة أوروبية محورية.
_ إعادة تصميم البنية الأمنية الأوروبية، لصالح روسيا.
_ تغيير قواعد اللعبة، وقواعد الاشتباك، المفروضة على روسيا.
_ توجيه رسالة لدول الاتحاد السوفيتي السابق، أن روسيا دولة عظمى.
ب- مدى تحققها:
حققت بعضا أهدافها المرحلية، ولاسيما (تغيير قواعد اللعبة والاشتباك، والتحرك في مواجهة الناتو).
ثانيا: أهداف أمريكا ومدى تحققها:
أ- أهداف أمريكا:
_ ترهيب الدول الأوربية وتوسيع الهوة بينها وبين روسيا.
_ جعل روسيا تهديدا دوليا، لدى أوروبا.
_ اشغال روسيا بأزمة مع أوروبا، ومضاعفة العقوبات عليها مما لعرقلة روسيا حليفة الصين.
_ جر روسيا في حروب، فتعزل، وتحتاج أوروبا لأمريكا فتجنى أمريكا مصالح عديدة.
ب- مدى تحققها:
حققت الكثير من الأهداف، بجعل أوروبا الشرقية، تشعر بالتهديد، وتحشد عسكريا في مواجهة روسيا، وتدعم أوكرانيا.
ثالثا: هل ستندلع الحرب العالمية أم ماذا؟
١_ الحشد العسكري واللوجستي 0 5 1 ألف جندي تقريبا نصف الجيش الروسي، وتمركز القوات، وامداداتها، ونوعية الأسلحة، والتوقيت، ينبئ بالاستعداد لغزو وشيك (حتى الان).
٢_ رد فعل أوكرانيا، وحلف الناتو، والدعم اللامحدود لأوكرانيا، والتسريبات الأمريكية الاستخباراتية، تؤكد احتمالية نشوب الحرب.
ولكن بالنظر (للروس والأوكران) ليس في مصلحتهما نشوب الحرب، بالنظر إلى مآلات الحرب وآثارها على الطرفين، فإذا انتفت المصلحة أو قلت وزادت الخسائر أو عظمت فيجب التوقف عن المخاطرة.
** لأن روسيا سواء انتصرت أو انهزمت، فسوف تخسر كثيرا داخليا، ودوليا، فهي دولة متوسطة القوة (بحسب الحسابات العلمية) فخوض حرب عالمية في مواجهة الغرب، يعتبر فخ أمريكي.
** ولو انتصرت أوكرانيا أو انهزمت، ستكون خاسرة، لخوضها حربا طويلة، في مواجهة عدو قوي.
٣_ لكن هل يمكن توريط الروس في شن حرب؟ أتوقع الخبرة الروسية ليمكن توريطها بسهولة.
٤- وإذا نشبت الحرب، ستكون محدودة، لأن لا مصلحة لأحد من أطراف الأزمة، ولا من القوى الكبرى في نشوب حرب عالمية.
{لذلك لا اتصور أن حربا وشيكة ستحدث، لا روسيا ستبدأ الطلقة الأولى، ولا أوكرانيا ستبدأ الطلقة الأولى، ولن تندلع حرب (خاصة في هذه الجولة من الأزمة الروسية الأوكرانية) فقط يمكن أن تندلع الحرب في حالة توريط أحد أطراف الصراع من طرف ثالث خارجهما}
رابعا: من الخاسر الان؟ وبعد نشوب الحرب؟
١_ الخاسر الان فقط، هي أوكرانيا، أما الروس والأمريكان فلا.
٢_ وإذا نشبت الحرب، سيكون الخاسر روسيا وأكرانيا معا، أيا كانت نتيجة الحرب، والرابح أمريكا فقط.
خامسا: الآثار السياسية والاقتصادية للحرب دوليا:
أ- الآثار السياسية للحرب دوليا:
إذا نشبت الحرب، ستكون هناك آثار على مستوى العلاقات الدولية منها:
١_ سيبرز النظام الدولي الجديد الذي بشرنا به من قبل وهو نظام التكتلات المتعددة، وهي (التكتل الروسي الصيني، والتكتل الأمريكي البريطاني، والتكتل الأوروبي).
٢_سيكون هناك صراعات بين كتلتين على فكرة الديمقراطية وهما:
** كتل تحقق الديمقراطية داخليا، وهي (الكتلة الأمريكية البريطانية والاسترالية) ، (والكتلة الأوروبية وهي ألمانيا وفرنسا وايطاليا).
في مواجهة (الكتلة الاستبدادية داخليا، روسيا والصين وحلفاءهم).
{وإن كانت كل هذه الكتل تدعم الأنظمة المستبدة بحسب مصالحها، خارج حدودها}
** وكتلة الدول الإقليمية الصاعدة، مثال: (تركيا وباكستان وإندونيسيا وماليزيا) وهذه ستلعب على تناقضات مصالح الكتل السابقة.
وسيشهد العالم، تغيرات في العلاقات الدولية، ولاسيما في قارتي آسيا وأوروبا، مع تأثر باقي الدول.
ب- الآثار الاقتصادية للحرب دوليا:
ونذكر منها هنا:
_ نقص امدادات القمح، وارتفاع أسعاره، فستتأثر الدول المستوردة للقمح من أوكرانيا وروسيا، مثل اليمن ولبنان ومصر وليبيا.
_ نقص امدادات البترول والغاز، وارتفاع اسعاره، خاصة بالنسبة لدول أوروبا.
وعليه فالتغييرات في امدادات وأسعار البترول، والغاز، والقمح، سيكون له تأثيراتها الدولية.
تاسعا: آثار الحرب على أزمات المنطقة العربية:
إذا نشبت الحرب، سوف تتأثر الأزمات، التي يلعب فيها الروس دورا رئيسيا، لامتداد الضغوط الغربية، لإخراج الروس، وفاغنر، أو اضعاف تأثيرهم، في سوريا ولبنان وليبيا واليمن، والسودان، وإيران، والعراق.
وفي الختام:
نري أن إعدادات الحرب، من قبل روسيا، قد تمت، كما أن إعدادات الدفاع، من أوكرانيا وحلفاءها، قد استكملت، ولكن نرى أيضا، أن الجانب المعنوي مستهدف من قبل أطراف الصراع وحلفاءهم، والأطراف جميعها تريد توصيل رسائل تعبر عن القوة والقدرة على تحقيق الردع.
لكن بالرغم من أن كل الاستعدادات، والمؤشرات، تذهب بنا نحو توقع اندلاع وشيك للحرب، إلا أن كل حسابات المكسب والخسارة، تؤكد لنا عدم نشوب الحرب، على الأقل في هذه الجولة من الأزمة الأوكرانية الروسية، التي ستظل قائمة لشهور وسنوات قادمة.
وعليه، فقرار الحرب صعب، وتحمل مسؤولية بدء الحرب كبيرة، لان تكاليفها على أطرافها كارثية، فصاحب المصلحة الوحيد من الحرب هي أمريكا، لذلك يصعب اتخاذ قرار الحرب من قبل روسيا أو أوكرانيا، على الأقل في ظل توقع الاثار الكارثية على الطرفين.