القائمة إغلاق

جمال في جمال… قصة قصيرة واقعية

بقلم: فضيلة الشيخ علي الديناري

جمال في جمال هي لحظات التأمل في جمال الخلق مع أذكار الصباح

ابتسامة الشروق التي تطل بها الشمس على الكون تجدني في انتظارها رابضا في الشرفة القريبة من نهر النيل فتشع في روحي وجسدي روحا من الجمال والنور والسكينة

ونهر النيل لا يحجزني عنه إلا هذه الأشجار المعمرة من المانجو التي زرعها إنسان ما في الفيلا المقابلة فغرس جمالا لعله يأتيه منه ثوابه حيث كان

أغصان المانجو العالية تتعانق في الفضاء تاركة فراغات جمالية بينها يمر خلفها السحاب الأبيض أو المستجيب لآشعة الشروق وأصباغها الباهرة الملونة بكل الوان الطيف

البلبل النشيط وفرقته المتألقة ينتظر هذا الموعد فنحن على اتفاق للاستمتاع بسحر هذا الوقت الذي يتجلى فيه جمال الخالق للقلوب فيخضعها لتنطق سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم في توافق تلقائي بين القلب والعقل والروح والوجدان وكل أعضاء الإنسان وبين لسانه المعبر عنها

نسمات الصباح تنساب الى الرئتين بعد أن تداعب الأنف كما تداعب أغصان المانجو فتستمتع الأذن بحفيف الأغصان

فجر اليوم لم أصله في المسجد فالحظر مازال ساريا

لم يمهلني صديقي البلبل الوثاب وأصدقاؤه حتى أفرغ من صلاتي بل كان بتغريده مستعجلا في إلحاحٍ عجيب كأنه يخشى أن يفوتني نصف عمري كما يقولون إن فاتني ما يستمتع به هو في هذه اللحظة الجميلة

فما إن فرغت من صلاتي حتى خرجت الى هذا الزاد والاستمتاع اليومي لأسْبح في هذا الفضاء مع تسبيح الله وأنفح عقلي بتكبيره سبحانه ليتسع صدري فينشرح ويغسل ما تراكم من الهموم الثقيلة ويجدد ثياب العافية ويتعطر بعطر الشعور بالنعمة والشكر عليها

نعم

يجبرني البلبل وتغريده مع السحاب وتسابقه ليمر خلف أغصان الأشجار الى أن أغير ترتيب الأذكار التي تعودت على ترتيبها حتى لا أنسى منها شيئا

القلب ينطق بالتسبيح غير مكترث بالترتيب “سبحان الله وبحمده ” أو بالتوحيد “لا اله ألا الله وحده لا شريك له … ” أو هو يرغب أن يقول أنا عبدك فيمر على سيد الاستغفار ثم قد يسبق اللسان بالحمد والاعتراف بـ (إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر) فيضطر اللسان للتعبير عنه وقد يسبق اللسان فيغرف من الذاكرة ما يحفظ فيطلع القلب على جمال الدعاء.

بينما أنا سابح في هذه الجهة مشدود البصر مشدوها مرهف السمع مندمج كلي مع هذا الجمال اذا بسيارة فارهة فخمة تنساب وحدها في الطريق ثم تهدئ سرعتها ثم ها هي تقف بجوار سور الفيلا المقابلة ثم ينزل منها شاب.. لا بل هي شابة لكن بالملابس الشبابية التي تلبسها كثير من الفتيات المراهقات هداهن الله فلا يستر بعضها إلا بُعد المسافة.

ها هي تتوجه الى شنطة السيارة تفتحها تخرج كيساً بلاستيكيا أسود.

تأخذ شيئا من الأرض تفرشه ثم تفرغ من الكيس شيئا ما.

وسرعان ما توجه كلب من كلاب الشارع نحوها ثم تشمم ما أفرغته لكنه عاد خائباً ينتظر بينما تواثبت القطط من هنا وهناك سعيدة تلتهم هذا الطعام وصاحبتنا واقفة تتأمل يبدو أنها تستمتع بإطعامها لهذه القطط وتحب أن تراها وهي ناهمة لتشبع بعد جوع

هي تتأمل هذا الجزء وحده بينما أنا هنا أتأمل المشهد كله بما فيه هذه الإضافة التي أضافتها إلى محرابي المتجدد اليومي

هي تمتع نظرها ووجدانها وتسد حاجة روحها الى الإحساس برحمتها بذي كبد رطبة وربما تطمئن بذلك صوتا ما في أعماقها يئن مطالبا لها بما فعلت.

بينما لا تدري أن جمال الرحمة قد تناسق وتداخل مع تغريد البلابل وشقشقة العصافير وأغصان المانجو ولون السحاب ونسمة الصباح وتسبيح الرحمن الرحيم الذي أنزل جزءا من مائة جزء من رحمته الى الأرض به يتراحم الخلق حتى أن الدابة لترفع حافرها عن وليدها أو كما قال الموصوف بـأنه (رؤف رحيم) صلى الله عليه وسلم

أروع ما على الأرض الإنسان حين يسكب جمالا في داخله الى الأرض عملا وثمرة جميلة تتناغم وتنسجم مع بقية الجمال الذي أودعه الله هذا الكون ووجهنا للاستمتاع به ففيه يتجلى جمال الخالق فانه سبحانه “جميل يحب الجمال”

يا مالكَ المُلك ..

أنت المُستجار بهِ

من ذا به لائذٌ

بالباب نادَاك

مسبحٌ بك ..

مملوءٌ بحُبّك ..

مشغُوفٌ بقُربِك ..

مشغُولٌ بنجوَاكَ

راضٍ بما أنت ترضَي …

ومتخذٌ إليكَ منكَ طريقاً من عطَاياك

كانت قد غادرت وانا غارق في جمال هذه الساعة التي أستمد منها كل يوم جمالا يزيح عن صدري الهموم

رفعت بصري الى الطريق فاذا هي هناك على مرمى البصر يبدو أنها مستمرة في غرس الجمال

التعليقات

موضوعات ذات صلة