بقلم: أ. سيد فرج

المتابع للنظام الدولي، يجده دائم التغير، وكسنة كونية، وحقيقة واقعية، يتبع ذلك تطور في العلاقات الدولية، وتغير في موازين القوى، مما يؤثر على مسارات القضايا، والأزمات، والمشكلات، والصراعات، الدولية والإقليمية، والداخلية، لذا من الأهمية بمكان، متابعة التغيرات الطارئة على النظام الدولي، لكي نفهم تأثيراتها على المشهد الدولي والإقليمي، وأثرها على الأزمات والصراعات التي تغرق بداخلها منطقتنا العربية.
وسوف نتناول موضوعنا في العناصر التالية:
أولا: النظام الدولي الجديد قائم على التكتلات وليس الأقطاب.
ثانيا: التكتلات التي يتكون منها النظام الدولي الحالي.
ثالثا: القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الوسط.
أولا: النظام الدولي الجديد قائم على التكتلات وليس أقطاب:
مر النظام الدولي عقب الحرب العالمية الثانية، بمراحل متعددة، وهي كالتالي:
المرحلة الأولى: مرحلة النظام الدولي ثنائي القطبية (الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي) ثم عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 برزت مرحلة أخرى.
المرحلة الثانية: مرحلة القضب الأوحد وهي (الولايات المتحدة الأمريكية) ثم عقب الأزمة العالمية عام 2008 اختارت الولايات المتحدة أمريكية ترك مساحات لدول أخرى صديقة (كفرنسا) أو منافسة (كروسيا) للقيام ببعض الأدوار في الملفات الشائكة، التي ترى أمريكا أن انفرادها بها له تكاليف اقتصادية أو أمنية أو أخلاقية لا تريد تحمل تداعياتها، فبدأت تظهر قوى فاعلة أخرى (كروسيا والصين) تشارك أحيانا، وتنافس أحيانا أخرى وأحيانا تعرقل خطط القطب الأوحد، فحدت من قدرته، عند محاولة تحقيق أهدافه، في بعض الملفات ذات الاهتمام المشترك .
وفي الوقت التي تزايدت فيه قوة ونفوذ، وحدات دولية صاعدة “كروسيا والصين” كانت مراكز الدراسات ألأمريكية، مهتمة بوضع استراتيجية جديدة، لإعادة ترتيب أولوياتها الداخلية، وانتشارها العسكري، ومناطق اهتماماتها ونفوذها، فازدادت مساحة نفوذ كل من روسيا والصين، على حساب النفوذ الأمريكي، مما جعل البعض يذهب إلى القول بأن النظام الدولي الحالي، يمر بمرحلة الأقطاب الدولية المتعددة، ولكنه بحسب_ وجهة نظرنا_ نظام عالمي قائم على التكتلات المتعددة.
والذي يؤيد وجهة نظرنا أن النظام الدولي يمر بمرحلة التكتلات المتعددة، ما يلي:
أن النظام الدولي من المفترض، إما أن يكون قائم على القطبية الواحدة، أو القطبية الثنائية، أو الأقطاب المتعددة، أو التكتلات المتعددة، أو الوحدات الدولية ذات التوازن المشترك.
** فنظام القطب الأوحد: تكون الوحدة الدولية غالبا، حاضرة في كل ركن من أركان العالم، وقادرة على تحقيق أهدافها فيه، وجني ثمار نفوذها، ولا يمنعها من ذلك وحدة مساوية لها في القوة والنفوذ، مثال (النفوذ الأمريكي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي).
** أما النظام ثنائي القطبية: تكون الوحدتان الدوليتان، تتقاسمان النفوذ والقوة، في مناطق محددة من العالم لكل منهما، بحيث تمنع غالبا أحدها، الوحدة الأخرى من القيام بدورها وفاعليتها، في تلك المناطق، مثال (مرحلة الحرب الباردة بين بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أمريكية)
** والنظام متعدد الأقطاب: تكون الوحدات غالبا ما تتقاسم، مناطق النفوذ، والقوة، ويمنع بعضها بعضا من التدخل في مناطق نفوذ الآخر، مثال (فترة الاستعمار الغربي لمناطق في أفريقيا وآسيا وغيرها).
** نظام التكتلات المتعددة: وفيه تكون الوحدات، تتفاضل في النفوذ، والقوة، ويزاحم بعضها بعض في مناطق النفوذ، ويصعب انفراد بعضها بالتحكم في منطقة أو أكثر من العالم دون القوى أخرى، مثال (الوضع الحالي ولاسيما بعد انتشار فيروس كورونا).
ثانيا: التكتلات التي يتكون منها النظام الدولي الجديد:
سوف نقوم بترتيبها حسب قوتها، ومدي قدرتها على الاستمرار في التكتل، وتحقيق أهدافها، وذلك من وجهة نظرنا، على النحو التالي:
١_ التكتل الأنجلوسكسوني (أمريكا وبريطانيا) وهو الأقوى والأكثر نفوذا فأمريكا أقوى دولة في العالم اقتصاديا وعسكريا، وكذا بريطانيا قوة كبيرة في أوروبا، وهما دولتان تجمعهما روابط اللغة والتاريخ والقيم المشتركة، كالليبرالية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، ويتوافقان غالبا في الملفات الدولية لدرجة التطابق أحيانا، وهما عضوان دائما في مجلس الأمن.
٢- التكتل الشرقي (روسيا والصين) وهما في الترتيب الثاني، فالدولتان عضوان دائمان، في مجلس الأمن، وهما قوتان عسكريتان، لا يستهان بهما، فروسيا قوة عسكرية عظمى، على المستوى الدولي، أما الصين فقوة عسكرية كبيرة اقليميا، ولكنها قوة عظمى اقتصاديا، “رغم أنه يحلوا لحكامها أن يصفوها بالدولة النامية” ورغم كونهما يختلفان في اللغة والقيم الدينية، فيشتركان في القيم السياسية، فالدولتان غير ديمقراطيتان وتدعمان النظم الاستبدادية، ولهما تخوفات مشتركة من خصمهما التاريخي الولايات المتحدة، وكذا بريطانيا.
٣- التكتل الأوروبي 🙁 فرنسا ألمانيا ايطاليا) وهي الدول الأقوى في الاتحاد الأوروبي، عقب خروج بريطانيا منه، ولكنه التكتل الأضعف، حيث لا يجمعه إلا الاتحاد الأوروبي والقيم الغربية المشتركة، ولكن من داخله يحمل عوامل ضعفه، مثال اختلاف اللغة، والتنافس على القيادة، والصراع التاريخي، والتنافس على النفوذ داخل الاتحاد، وعلى المصالح خارج الاتحاد.
أما باقي الدول ذات النفوذ الإقليمي، فهي سوف تنقسم إلى أقسام: قسم ينحاز إلى كتلة (كإيران) وقسم يلعب على المتناقضات بين الكتل(كتركيا) وقسم مصالحه محفوظة مع جميع التكتلات (كالكيان الصهيوني) وقسم يتعامل بالقطعة حسب مصالح أنظمة الحكم فيه (كباقي الدول العربية)
ثالثا: القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الوسط:
١- القوى الدولية حسب قوة نفوذها:
_ أمريكا ” فهي متداخلة في كل ملفات الشرق الأوسط، وهي الأقوى عسكريا واقتصاديا والأكثر تدخلا ونفوذا وتحقيقا المكاسب”
_ روسيا: وهي المنافس الأوحد للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وهي بديل الأمريكان سواء بتنسيق معهم أو بغير تنسيق في حال غياب دورهم أو إذا اتيحت لها الفرصة للتدخل.
_ فرنسا: وهي رأس الحربة الأوروبية، المتقدمة في كثير من الملفات، ولا سيما في مناطق استعمرها السابقة.
_ بعض الدول الأوروبية: ايطاليا ألمانيا بريطانيا، وهي على المستوى الفردي أقل نفوذا وتدخلا من فرنسا.
_ الصين: لها نفوذ اقتصادي كبير، وتحاول أن تضع لها موطأ قدم في سوريا والكويت والإمارات، لكنها ليست منافس سياسي أو عسكري في منطقة الشرق الوسط لكنها منافس اقتصادي كبير، وهو ما تركز عليه الدولة الصينية.
٢_ القوى الإقليمية ذات النفوذ والتأثير: (وذلك بصرف النظر عن كون ذلك التأثير نؤيده أو نعارضه)
_ السعودية: الوحدة الفاعلة الأقوى، خليجيا، ويمنيا، ولبنانيا، كما أنها فاعلة بقدر كبير في جميع ملفات الشرق الأوسط، فهي قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.
_ الامارات وقطر: رغما كونهما دولتان مختلفتان في سياساتهما الداخلية والخارجية، وإزاء غالب القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، ورغم كونهما متنافستان إلى حد الصراع (غير العسكري) إلا أنهما ذات تأثير ونفوذ كبير في منطقة الشرق الوسط لا يمكن تجاهله.
_ مصر: كانت الدولة المصرية الأقوى والأكثر نفوذا، في محيطها العربي، إلا أنها ومع تعاقب الحكومات، التي قزمت دور المحروسة، غاب التأثير والدور المصري إلى حد كبير إقليميا، إلا أن الدولة المصرية استعادة تأثيرها القوي في أزمات دول الجوار مثال (ليبيا، السودان، غزة) فلا يمكن الحديث عن تنحية الدور المصري فيما يخص شأن الملفات الثلاثة تلك.
_إيران: أصبحت فاعل لا يمكن تجاهله في ملفات عديدة مثل (العراق وسوريا واليمن ولبنان).
_ تركيا: الجار المسلم للدول العربية، والوريث الشرعي للدولة العثمانية، أصبحت فاعلا لا يمكن تجاهله في ملفات عديدة في الشرق الوسط مثل (سوريا وليبيا والأزمة القطرية، والصومال، وغزة) وله نفوذ متنامية في دول مثل (تونس والجزائر ولبنان).
_ الجزائر: دولة ذات نفوذ كبير في الشمال الإفريقي ودول المغرب العربي ولها تأثير لا يمكن تجاهله في ملفات مثل (ليبيا والصحراء الغربية وتونس)
_ الكيان الصهيوني: أصبح قوة إقليمية لا يستهان بها، وأصبح تأثيره كبير على أزمات والملفات المفتوحة في منطقة الشرق الوسط ولا سيما مع موجة التطبيع الحالية والقادمة.
وفي الختام:
قدمنا إطلالة على التغيرات في النظام الدولي الحالي، واستضاء لنا أنه قائم على عدد من التكتلات، وإطلالتنا هذه كانت من خلال نافذة الشرق الأوسط، والتي ألقينا الضوء فيها على القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط.