القائمة إغلاق

العلامة نجيب المطيعي.. صفحات مجهولة من حياته – بقلم: فضيلة الشيخ عبد الآخر حماد

بقلم: فضيلة الشيخ عبد الآخر حماد

فضيلة الشيخ عبد الآخر حماد

الشيخ محمد نجيب المطيعي (1334 – 1406 هـ) (1915 – 1985 م) واحد من العلماء المعاصرين الذين نفع الله بهم كثيراً، فقد ضرب بسهم وافر في مجالات عدة جمعت بين العلم والعمل. فهو صاحب تكملة المجموع شرح المهذب للشيرازي في الفقه الشافعي، وهو الشرح الذي بدأه الإمام النووي رحمه الله، فتوفي قبل أن يتمه، فشرع في تكملته تقي الدين السبكي رحمه الله، فمات دون أن يتمه أيضاً، فأكمله الشيخ المطيعي رحمه الله. وفي التفسير حقق الشيخ خمسة مجلدات من تفسير صديق حسن خان المسمى فتح البيان في مقاصد القرآن.  كما نشرت له مجلة الأزهر في سبعينيات القرن الماضي سلسلة مقالات في الدفاع عن السنة النبوية بعنوان: «البخاري المفترى عليه»، وكان له باب ثابت في مجلة الاعتصام بعنوان: «ليس حديثاً وليس صحيحاً». وفي مجال الافتاء ظل رحمه الله مدة طويلة يرد على أسئلة المستمعين في برنامج بريد الإسلام بإذاعة القرآن الكريم.

وفي الجانب العملي ساهم رحمه الله في كثير من المواقف الوطنية منها مشاركته في المقاومة الشعبية إبَّان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، كما كانت له في أواخر حياته مواقف مشهودة ضد التطبيع بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

والشيخ رحمه الله -كما هو واضح – ينتسب إلى المطيعة وهي بلدة تابعة لمركز ومحافظة أسيوط تقع جنوب أسيوط على الجانب الغربي من النيل. وقد كنت قرأت في موقع معجم البابطين للشعراء العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين، أن الشيخ محمد نجيب المطيعي، ولد بـ (الطوَّابِيَّة)، وهي قرية من قرى أسيوط أيضاً، كانت تتبع مركز أبنوب، وهي الآن تابعة لمركز الفتح. وقد وجدت الشيخ رحمه الله قد انتسب إلى الطوابية في تقديمه لرسالة له بعنوان (أحكام التصوير في الإسلام) وإن كان قد انتسب للمطيعة أيضاً، حيث ذيل مقدمته لتلك الرسالة باسم: محمد نجيب المطيعي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن بخيت المطيعي الطوابي. وقد بقيتُ مدة لا أجد تفسيراً لذلك الأمر، إلى أن يسر الله لي التواصل مع أحد أبنائه، وهو الأستاذ الدكتور عاطف محمد نجيب المطيعي الأستاذ بجامعة حلوان، ومن خلال التواصل معه عرفت أكثر من العلة التي كنت أطلبها. بل تكشفت لي حقائق وأسرار في حياة الشيخ المطيعي رحمه الله. وقد استأذنت الدكتور عاطف حفظه الله بنشر تلك الحقائق على عهدته، فأذن لي بذلك، جزاه الله خير الجزاء.

فمما ذكره لي أن الشيخ (محمد نجيب المطيعي) أصله من بلدة المطيعة التي سبقت الإشارة إليها، من عائلة تسمى (بيت الديب). وإلى تلك العائلة كان ينتسب أيضاً الشيخ محمد بخيت المطيعي (1271-1354هـ) (1854-1935م) الذي كان مفتياً للديار المصرية، ولذلك وجدت في بعض كتابات الشيخ محمد نجيب المطيعي أنه إذا نقل عن الشيخ بخيت يقول: قال جدنا، فهو تقريباً عم جده.

ومن أهم ما عرفته من الدكتور عاطف أن الاسم الذي اشتهر به والده ليس اسمه الحقيقي، وإنما هو اسم تسمى به لظروف يأتي ذكرها بعد قليل. وأما اسمه الحقيقي فهو: محمود إبراهيم عبد الرحمن أحمد بخيت.

وأن الشيخ رحمه الله وإن كان مطيعياً إلا أنه ولد في قرية الطوابية السابق الإشارة إليها، وسبب ذلك أن أحد أجداده كان قد نزح من المطيعة إلى الطوابية لأنه كان مطلوباً في حادثة قتل. وفي تلك القرية ولد الشيخ رحمه الله، ثم ارتحل به أبوه وهو صغير إلى الإسكندرية، وبها بدأ يتلقى علوم اللغة والفقه والعقيدة والأصول على يد بعض المشايخ. ثم استمر يعلم نفسه دون أن ينتسب إلى المعاهد الأزهرية، ولا حتى المدارس العامة، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة وعاش بها منشغلاً بالعلم والتدريس والكتابة.

ولما شب عن الطوق بدأ في ممارسة الدعوة إلى الله فكان يخطب الجمعة في مساجد الإسكندرية، وهو دون العشرين من عمره.  كما كان أيضاً مهموماً بقضايا بلاده بل الأمة العربية والإسلامية كلها ،حتى إنه انتسب إلى مجموعة فدائية كانت تحاول تعقب بعض مَن عرفوا بمواقفهم العدائية ضد العرب والمسلمين ، وقد كلَّفتْه تلك المجموعة في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي بقتل مسؤول بإحدى المنظمات الصهيونية ،التي ارتكبت العديد من المجازر ضد العرب في فلس/طين ، وبالفعل استطاع الشيخ الوصول إلى ذلك الشخص واغتاله في بيته بالإسكندرية .وصدر أمر بالقبض على الشيخ ،فأخذ القلم السياسي يبحث عنه ،وكذلك أتباع تلك المنظمة كانوا يبحثون عنه أيضاً للانتقام منه ، فهرب من الإسكندرية متجولاً في  قرى الوجه البحري وكفوره.

ومن أجل التغطية على السبب الحقيقي لهروبه كان يدعي أنه كان نصرانياً فأسلم ،وأن أباه هو نخلة باشا المطيعي ،الذي كان من الشخصيات القبطية المشهورة في ذلك الوقت وقد عين وزيراً أكثر من مرة في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي ، وأنه من أجل ذلك يخشى على حياته ،فآواه بعض أعيان تلك القرى من المسلمين وتعاطفوا معه ،حتى إنه استطاع أن يستخرج أوراقاً باسم منتحل اختاره لنفسه وهو : محمد نجيب إبراهيم المطيعي ، وبعد مدة استطاع بعض رفاقه إنهاء قضية مقتل اليهودي ، وذلك بأن استغلوا مصرع شخص في حادثة مشابهة فعمدوا إلى ذلك القتيل فوضعوا في ملابسه أوراقاً تثبت أن اسمه محمود إبراهيم عبد الرحمن . وبذلك سقطت القضية، وكُفَّ البحث عن المتهم لوفاته.

ومنذ ذلك الوقت عاش الشيخ باسم “محمد نجيب المطيعي “، ونشر كتبه ومقالاته بهذا الاسم. ولم يكن يذكر لأحد شيئاً عن تاريخه القديم ،ولا حتى لأبنائه إلى أن اعتقل في عام 1968 ، ويبدو أنه عند التحقيق معه لم يُظهر تجاوباً مع المحققين ، فحقنوه بحقنة جعلته شبه مغيب ،وتحت تأثيرها حكى قصته كلها ،فسجلوا ذلك ،ورفعوا به تقريراً إلى الرئيس عبد الناصر ، فكان من العجائب أيضاً أن قال لهم الرئيس عبد الناصر : نعم أنا أعرف هذا الرجل لقد كان يخرج معنا في مظاهرات ضد الإنجليز بالإسكندرية ،وأوصاهم بإكرامه ،فوضعوه في مستشفى السجن بدلاً من الزنزانة ، وسُمح له بزيارة كل أسبوع ، فلما زاره أهله أخبرهم بما حدث معه وأنه ما دام سره قد انكشف فسيخبرهم به بعد خروجه . وبالفعل حكى لهم بعد خروجه في عام 1969 هذه التفاصيل عن حياته، ثم عرَّفهم ببعض أقاربه من أهل الصعيد، ثم ظل الشيخ يواصل سعيه في نشر العلم والصدع بالحق إلى أن توفاه الله تعالى بالمملكة السعودية سنة 1406هـ- 1985م، ودفن ببقيع المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. رحم الله الشيخ المطيعي، وغفر له ولسائر علماء المسلمين.

عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين

التعليقات

موضوعات ذات صلة