بقلم: فضيلة الشيخ أسامة حافظ
“لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم إني قد غفرت لكم”
هذه العبارة قالها النبي صلى الله عليه وسلم –كما ذكر البخاري- في الصحابي الجليل حاطب بن أبى بلتعة لما أرسل إلى قريش يخبرهم بنية النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتح مكة رغم إخفائه لهذا الخبر وهي كما لا يخفى جريمة خيانة عظمى جعلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذن في ضرب عنقه متهما إياه بالنفاق فرد عليه المصطفى بهذه العبارة السابقة.

لماذا كان لأهل بدر هذه المكانة السامقة وما هي الحسنات العظيمة التي تغوص فيها جريمة الخيانة هذه فلا تعكرها وتختلط بها الذنوب فلا تحمل خبثها.
لقد جاء بعدهم أناس فتحوا البلدان ونشروا دعوة الإسلام في جميع أرجاء الأرض ولم يدركوا مكانة أهل بدر ولا مكانتهم.. لماذا؟
إنه السبق في العطاء…
المؤمن الذي يضحي قبل أن يكثر المضحون ويعطى قبل أن يفشوا العطاء ويثبت قبل أن يعرف الناس الثبات هو الذي يسبق في الثواب.
لذلك كثر الحديث عن السابقين من أهل الإيمان والسبق هنا، ليس في حجم العطاء فقط، وإنما في السبق الزمنى أيضا.. ((لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ)) كلهم في وعد الحسنى، ولكن لا يستوون عند الله فمن أعطى قبل أن يعطي الناس أفضل ممن أعطى مع القطيع.
لذلك مدح القرآن أولئك الذين تأخروا وعرفوا لمن سبقوهم فضلهم فقالوا ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)).
أذكر أن أحد اخواننا وكان مسئولا بين الاخوة جاء يشكوا أحد قدامى شيوخ بلدته فقلت له “هذا الشيخ كان هناك قبل أن تكون وكان يدعو في بلدتكم قبل أن يدعو أحد وتحمل وثبت قبل أن يشيع بينكم التحمل والثبات هل ترى خطأه –إن كان قد أخطأ- يعكر صفو ما أسلف من أعمال” فذهب إليه واسترضاه.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يقدر أولئك السابقين ويعلمنا ذلك لكيلا نسقط من سبقونا بالإيمان وانفردوا بالعطاء والتضحية من قبل -في وقت لم يك ثمة عطاء ولا تضحية- بالأخطاء والزلات.. بل إن القرآن لينزل داعيا الصديق رضي الله أن يعود للإنفاق على مسطح بن أثاثة وقد حد في قذف السيدة عائشة لأنه من أولئك السابقين من أهل بدر.
انظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يزجر خالد بن الوليد وهو من هو لما اختلف مع عبد الرحمن بن عوف قائلا له “يا خالد ذر يدك عن أصحابي فإنه لو كان لأحدكم مثل أحد ذهبا فأنفقه قيراطا قيراطا في سبيل الله ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه”.
والغائص في بحار الهدي النبوي يجد هذا المعنى منتشرا بين ثناياه.. فإذا زلت قدم صاحبك يوما فابحث له عن معروف سابق ففي حياة كل منا “بدر” تغفر له.