القائمة إغلاق

أغزوت الروم…!؟

بقلم: فضيلة الشيخ أسامة حافظ

في مجلس الحسن البصري نال أحد مريديه بالقول من رجل مسلم غائب فقال الحسن للرجل:

أغزوت الروم؟

قال: لا

قال: فغزوت الفرس؟

قال: لا

قال: فغزوت الديلم؟

قال: لا

قال: أيسلم منك الفرس والروم والديلم ولا يسلم منك أخوك؟

تذكرت هذه العبارة الحكيمة وأنا أقرأ تعليقات القراء علي مقال تعرض كاتبه لأحد الدعاة المشهورين.. فأحسست أن صارخاً نادي في البرية “يا خيل الله اركبي…”

فتدافع الناس من كل حدب وصوب ينهشون في لحم الرجل حتي اتخموا.. ويخوضون في عرضه حتي أغرقوا.. فاستعدت كلمة الرجل الحكيم “أيسلم منك يهود وأمريكا وروسيا ولا يسلم منك أخوك.”

والحقيقة أن أكثر ما تعاني منه الحركة الإسلامية أن تنحدر العلاقة بين أبنائها حتي تصل إلي التنابز والتشاتم وتصبح البذاءة جزء من دعوتهم.. حتي أن الصبيان ليُلَقَنُون عثرات الكبار والقادة والعلماء ليحفظوها ويتربوا علي التراشق بها.. بل إن البعض ليحضر جلسات العلم ومحاضرات ومواعظ وندوات الدعاة لا ليتعلم ويستفيد ولكن ليتسقط الأخطاء ويتصيد الزلات ليجعل منها مادة للتشنيع بصاحبها والإساءة إليه.

وتعجبت هل تربى هؤلاء في أحضان دين لا ينهى أبناءه عن سب المسلمين والخوض في أعراضهم فحسب بل إنه لينهى عن سب الحيوان الأعجم الذي لا حرمة له.

وكيف تتلمذ هؤلاء في مدرسة نبي نهى عن سب الديك وسب البراغيث ولعن الناقة بل نهى عن لعن الحمى ليعتاد اللسان على الكلمة الطيبة والقول المهذب اللائق.. وهو الذي وصف المؤمن أنه ليس بسبّاب ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء.. إن دينا ينهى أبناءه عن سب الكفار – وهم أهل لكل سب – حري بأتباعه أن يمسكوا ألسنتهم عن إخوانهم في الدين وإن أساءوا وأخطأوا.. ثم هب أن هذا الداعية قد أخطأ – وكلنا كبشر خطاؤون – فلماذا لا نلتزم معه أدب النصيحة لنستفيد نحن وهو منها حتي يرجع.. بل هب أنه لم ينتصح لسبب أو لآخر فهل وقوعه في خطأ عدم الإنتصاح – إن كنا محقين فيما ننصح به – يبيح لنا أن نتهمه في دينه ونيته وقصده وحبه لدينه ولله ورسوله.

الذي يجتهد ويعمل لا بد أن تكون له أخطاء.. فقد دفنت العصمة مع النبي صلي الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً.

والذي يتعرض للناس لا بد أن يوافق البعض ويعارض آخرون فهل إذا لم يعجبنا كلام أحدهم ووجدنا فيه – من وجهة نظرنا – اجتهاداً خاطئاً أن نعلن عليه الحرب لهذا الخطأ متجاهلين ما أسلفه من خير وما اجتهد فيه من عمل اتفقنا معه أم خالفناه.. والله لن يسلم بها المنطق أحد.. ورحم الله الإمام الذهبي وقد عرض لمثل هؤلاء فقال:

“ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم منا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما والله هو هادي الخلق إلي الحق وهو أرحم الراحمين” ثم يضيف رحمه الله “فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة”.

هذه العبارة الأخيرة من كلام الشيخ الذهبي لا من كلامي.

والاختلاف في الاجتهاد وفهم الدين أمر طبيعي.. والكل مع صدق النية يسعي لنيل الثواب ونسأل الله أن يمن من فضله علينا جميعاً من أصاب الحق ومن تحراه ولم يصبه.

لماذا لا ينشغل كل منا بالدعوة لما يعتقد أنه الصواب دون أن يستهلك جهده وعلمه في الطعن على الآخرين وتلقي الطعنات منهم.

إن المسلمين والحركة الإسلامية منهم فيهم كثير من الإمكانات ولكن أكثرها يضيع في النزاع والشقاق والمعارك في غير معترك العراك.. وساحة الدعوة إلى الله عريضة واسعة الأرجاء تستوعب جهد الجميع وأضعافه.. فلماذا لا ينصرف الدعاة إلى الارتشاف من هذا المنهل الواسع ويتركوا الآخرين يعملون أيضاً.. وإن كان ولابد فالتناصح بالصورة الشرعية الراقية بعيداً عن التشنج والسباب.

لماذا نشغل الناس بهذه الصراعات وتلك المعارك – الدون كيشوتية – بينما المجتمع متعطش لدعوة الإسلام الرائقة المشبعة للقلب والعقل لماذا نجر المجتمع معنا لمثل هذه المعارك فنفسد دعوتنا ونضيع جهدنا وقد ينفرهم هذا النزاع غير اللائق من كليهما الدعوة والدعاة.

إن الدعوة للدين فرض علي كل قادر عليها وسنحاسب جميعاً علي كل تقصير فيها – وكل إفساد نلحقه بها فلنتق الله فإن فساد ذات البين هو الحالقة.

التعليقات

موضوعات ذات صلة