القائمة إغلاق

آل العطيفي.. تاريخ حافل بالعطاء..

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور عبد الآخر حماد الغنيمي

الفارس النبيل الذي فقدناه مؤخراً (المهندس طارق العطيفي رحمه الله) هو واحد من ثلاثة أشقاء (سمير وطارق وماجد)، كانوا جميعاً من أهل الدين والالتزام. عرفناهم فعرفنا فيهم الشهامة والرجولة وحب الخير، والحرص على ما فيه طاعة الله ومرضاته. وكان الأخَوَان سمير وماجد قد سبقا إلى الدار الآخرة شهيدين بإذن الله تعالى منذ سنوات عدة. ولما كان بعض الأحباب قد كتبوا مذكِّرين بفضل المهندس طارق وأخويه، فقد أحببت أن أخط هذه السطور؛ لأبين أن هؤلاء الإخوة الكرام ما هم إلا نبتٌ طيب، ونتاجٌ كريم لأسرة طيبة، عُرفت بالتدين والصلاح وحسن المعتقد. 

1-فآل العطيفي هم فرع من عائلة كريمة من عائلات الغنايم محافظة أسيوط هي عائلة ” الخطبة”. وقد عرف أبناؤها بالجود والكرم، وحب الخير، وفوق ذلك عرفوا بمجانبة البدع، ونبذ انحرافات أهل التصوف الباطل وضلالاتهم.

2-ويرجع ذلك بعد فضل الله تعالى لواحد من أبناء تلك العائلة هو الشيخ أحمد عطيفي حسن، (توفي إلى رحمة الله تعالى عام 1954م). وهو جد هؤلاء الإخوة الثلاثة، بل جد والدهم الأستاذ محمد أحمد أحمد عطيفي رحمه الله. وقد كان الشيخ أحمد عطيفي عالماً جليلاً درس بالأزهر ،وكان سلفي المعتقد ،وقد عثرْتُ له على مقالات طيبة منشورة بمجلة الهدي النبوي التي كانت تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية .وقد ظل رحمه الله قرابة نصف قرن يدعو إلى التوحيد ، ويحارب البدع والشركيات في الغنايم وما حولها .وهو الذي طهر منطقة الغنايم بحري من الأضرحة ،وما يسمونه بمشاهد الأولياء والصالحين ، حيث كان -كما حكى لي حفيده الأستاذ محمد رحمه الله- يذهب هو وتلاميذه إلى تلك المشاهد والقباب فيقوم بهدمها وإزالتها من على القبور .وقد حكي لي والدي رحمه الله –وقد كان من أخلص تلاميذ الشيخ أحمد عطيفي- أن كبار شيوخ جماعة أنصار السنة المحمدية كالشيخ حامد الفقي مؤسس الجماعة ، والشيخ أبي الوفاء درويش رئيس فرعها في سوهاج ،كانوا يزورون الغنايم فينزلون ضيوفاً على الشيخ أحمد عطيفي رحمه الله ،ويُلقُون الخطب والدروس التي تتضمن نشر عقيدة أهل السنة والجماعة ،وما كان عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم . 

3-وحين توفي الشيخ أحمد عطيفي كان حفيده محمد قد بدأ حياته الوظيفية مدرساً بمدارس وزارة التربية والتعليم، وكان قد انتهى من دراسته الأزهرية حاصلاً على شهادة العالمية من كلية اللغة العربية في أواخر الأربعينيات، ثم حصل على دبلوم التربية من معهد المعلمين العالي بجامعة إبراهيم باشا (عين شمس حالياً). وقد ورث الأستاذ محمد من جده حب العلم والدعوة إلى الله تعالى، فانتمى في شبابه للإخوان، وكان له كذلك اتصال بجماعة أنصار السنة المحمدية، وقد نشر مقالات عدة بمجلة الهدي النبوي -مجلة أنصار السنة – منذ أن كان طالباً بكلية اللغة العربية.

وقد كان رحمه الله داعية مفوهاً وخطيباً مؤثراً، وقد كان في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات يخطب الجمعة في مسجد مديرية التربية والتعليم بأسيوط، ثم انتقل إلى مسجد الزهراء بمنطقة كدواني بأسيوط في أواخر السبعينيات، وهي الفترة التي شهدت قوة الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط. وقد تميزت خطبه في تلك الفترة بالقوة والحماسة والتف حوله كثير من الشباب، ومن أجل ذلك شملته قرارات التحفظ التي أصدرها الرئيس السادات في آخر حياته، حيث اعتقل في ليلة الثالث من سبتمبر سنة 1981م. وبقي في السجن سنة كاملة. ولما أفرج عنه في شهر سبتمبر عام 1982م ضُيِّق عليه في وظيفته، ومنع من الترقية زمناً إلى أن يسر الله له بعد ذلك من أنصفه إلى حد ما.

4-ولما نشأت الجماعة الإسلامية في جامعات مصر في أواسط السبعينيات كان أبناء الأستاذ محمد العطيفي (سمير وطارق وماجد)، من أوائل من انخرط في دعوتها. كان أكبرهم سمير طالباً في تجارة أسيوط، بينما كان أوسطهم طارق طالباً في هندسة المنيا، وأما أصغرهم ماجد فكان طالباً في المعهد الصحي بأسيوط.  وكان الثلاثة رحمهم الله تعالى يشاركون في العمل الإسلامي بقوة ونشاط. وكان ماجد رحمه الله أكثرهم حماسة واندفاعاً. وله في ذلك مواقف مشهودة منها أنه علم ذات مرة أن هناك شجرة تحت سفح الجبل في منطقة الغنايم غرب، يعتقد العوام فيها البركة، فتذهب إليها النساء اللاتي لا يلدن فيطفن بها ملتمسين البركة والولد، فما كان منه إلا أن توجه بصحبة بعض إخوانه إلى تلك الشجرة فما تركها حتى قطعها، ثم أقبل يجرها وراءه غير عابئ بأحد. وكأنما كان يحيي سنة جدِّه الشيخ أحمد في محاربة الشركيات، وإزالة الطواغيت.

5-وقد كان الأخ ماجد رحمه الله ممن شملتهم قرارات التحفظ سنة 1981م حيث اعتقل في نفس الليلة التي اعتقل فيها والده رحمه الله. وفي أثناء اعتقالهما اغتيل الرئيس السادات، ثم وقعت أحداث أسيوط في أكتوبر 1981م، فتم اعتقال الأخوين سمير وطارق. وقد عانت والدتهم رحمها الله تعالى كثيراً في تلك الفترة حيث كانت تسافر من أسيوط إلى القاهرة لزيارة زوجها وأبنائها الثلاثة. وكانت في بعض الفترات تضطر إلى الذهاب إلى ثلاثة سجون متباعدة لأنهم لم يكونوا في سجن واحد.

6-وفي يوم 30سبتمبر عام 1984 صدرت الأحكام فيما عرف بقضية الجهاد التي كان الإخوة الثلاثة متهمين فيها، فبرأتهم المحكمة جميعاً وأفرج عنهم بحمد الله. لكن والديْهم لم يهنآ بهم إلا قليلاً، فما هي إلا سنوات حتى قتل ماجد رحمه الله في شارع الجلاء بالقاهرة، وذلك في فبراير عام 1989م، تاركاً وراءه طفلين صغيرين ولداً وبنتاً (حيث كان رحمه الله هو الوحيد الذي تزوج من بين إخوته). وفي أكتوبر عام 1993م قتل الأخ سمير أيضاً قرب قرية الزرابي مركز أبو تيج، وذلك في فترة مواجهات الجماعة الإسلامية مع الأمن.

وفي فترة التسعينيات قبض على المهندس طارق كغيره من أبناء الجماعة الإسلامية، وناله ما ناله إخوانه من الضر والأذى، بل ناله أكثرُ مما نال غيره فأصيب بالشلل من جراء ضربة تعرض لها على ظهره. ولما فُعِّلت مبادرة الجماعة الإسلامية كان المهندس طارق من أوائل من أفرج عنهم نظراً لظروفه الصحية، لكنه خرج مقعداً يمشي على كرسي متحرك، وقد كان من نتيجة ذلك أنه بقي حتى وفاته لم يتزوج. ومع ذلك ظل رحمه الله صابراً محتسباً راضياً بقضاء الله عز وجل. وكذلك ظل والده الأستاذ محمد قوياً متماسكاً صابراً محتسباً إلى أن توفاه الله في أبريل عام 2010م.

7-وبعد وفاة والده أكمل الأخ طارق العطيفي المسيرة مع ولدي أخيه ماجد، فاهتم بهما ورعاهما إلى أن تزوجا، وأنجبا بفضل الله ومنه وكرمه.

وأخيراً: وبعد هذه المسيرة الحافلة بالعطاء والعمل لدين الله تعالى، وفي ليلة الثلاثاء 25محرم 1444ه – 23/ 8/ 2022م أذن الله تعالى لروح الأخ الحبيب طارق العطيفي أن تتحرر من أسر الجسد الفاني، فتخرج -فيما نرجو -إلى روح وريحان وربٍ غيرِ غضبان. رحمك الله يا طارق وجمعك بوالديك وأخويك في فردوسه الأعلى.. آمين

عبد الآخر حماد

27/ 1/ 1444هـ-25/ 8/ 2022م

التعليقات

موضوعات ذات صلة